ولما فتح حصن بغراس خاف سمند صاحب انطاكية وأرسل إلى صلاح الدين في الصلح على أن يطلق أسرى المسلمين الذين عنده وتحامل عليه أصحابه في ذلك ليريح الناس ويستعدّوا فأجابه صلاح الدين إلى ذلك لثمانية أشهر من يوم عقد الهدنة وبعث إليه من استخلفه وأطلق الأسرى وكان سمند في هذا الوقت عظيم الإفرنج متسع المملكة وطرابلس وأعمالها قد صارت إليه بعد القمص واستخلف فيها ابنه الأكبر وعاد صلاح الدين إلى حلب فدخلها ثالث شعبان من السنة وانطلق ملوك الأطراف بالجزيرة وغيرها إلى بلادهم ثم رحل إلى دمشق وكان معه أبو فليتة قاسم بن مهنا أمير المدينة النبويّة على ساكنها أفضل الصلاة وأتمّ التسليم قد عسكر معه وشهد فتوجه وكان يتيمن بصحبته ويتبرك برؤيته ويجتهد في تأنيسه وتكرمته ويرجع إلى مشورته ودخل دمشق أوّل رمضان من السنة وأشير عليه بتفريق العساكر فأبى وقال هذه الحصون كوكب وصفد والكرك في وسط بلاد الإسلام فلا بدّ من البدار إلى فتحها والله سبحانه وتعالى أعلم.
[فتح الكرك]
كان صلاح الدين قد جهز العساكر على الكرك مع أخيه العادل حتى سار إلى دربساك وبغراس وأبعد في تلك الناحية فشدّ العادل حصارها حتى جهدوا وفنيت أقواتهم فراسلوه في الأمان فأجابهم وسلموا المعلقة فملكها وملك الحصون التي حواليها وأعظمها الشويك وأمنت تلك الناحية واتصلت إيالة المسلمين من مصر إلى القدس والله تعالى أعلم.
[فتح صفد]
لما عاد صلاح الدين إلى دمشق أقام بها نصف رمضان ثم تجهز لحصار صفد فنزل عليها ونصب المجانيق وكانت أقواتهم قد تسلط عليها الحصار الأوّل فخافوا من نفادها فاستأمنوا فأمنهم وملكها ولحقوا بمدينة صور والله تعالى أعلم