فاستولى هو على مصر وضبطها إلى أن قتل عثمان وبويع عليّ وبايع عمرو بن العاص لمعاوية، وسار إلى مصر قبل قدوم قيس بن سعد فمنعهما فخدعا محمد حتى خرج إلى العريش فتحصن بها في ألف رجل، فحاصراه حتى نزل على حكمهم فقتلوه.
وفي هذا الخبر بعض الهون لأنّ الصحيح أنّ عمرا ملك مصر بعد صفّين، وقيس ولاه عليّ لأول بيعته، وقد قيل ان ابن أبي حذيفة لما حوصر عثمان بالمدينة أخرج هو ابن أبي سرح عن مصر وضبطها، وأقام ابن أبي سرح بفلسطين حتى جاء الخبر بقتل عثمان وبيعة علي وتوليته قيس بن سعد على مصر، فأقام بمعاوية. وقيل إنّ عمرا سار إلى مصر بعد صفّين فبرز إليه ابن أبي حذيفة في العساكر وخادعه في الرجوع إلى بيعة عليّ، وأن يجتمعا لذلك بالعريش في غير جيش من الجنود، ورجع إلى معاوية عمرو فأخبره، ثم جاء إلى ميعاده بالعريش وقد استعدّ بالجنود وأكمنهم خلفه حتى إذا التقيا طلعوا على أثره فتبين ابن أبي حذيفة الغدر فتحصن بقصر العريش إلى أن نزل على حكم عمرو. وبعث به إلى معاوية فحبسه إلى أن فرّ من محبسه فقتل، وقيل إنما بعثه عمرو إلى معاوية عند مقتل محمد بن أبي بكر وأنّه أمّنه ثم حمله إلى معاوية فحبسه بفلسطين.
[ولاية قيس بن سعد على مصر]
كان عليّ قد بعث إلى مصر لأوّل بيعته قيس بن سعد أميرا في صفر من سنة ست وثلاثين وأذن له في الإكثار من الجنود وأوصاه فقال له: لو كنت لا أدخلها إلّا بجند آتي بهم من المدينة لا أدخلها أبدا فانا أدع لك الجند تبعثهم في وجوهك، وخرج في سبعة من أصحابه حتى أتى مصر وقرأ عليهم كتابا يعلمهم بمبايعته وطاعته وأنّه أميرهم، ثم خطب فقال بعد أن حمدا للَّه: أيها الناس قد بايعنا خير من نعلم بعد نبيّنا فبايعوه على كتاب الله وسنّة رسوله. فبايعه الناس واستقامت مصر، وبعث عليها عمّاله إلّا بعض القرى كان فيها قوم يدعون إلى الطلب بدم عثمان، مثل يزيد بن الحرث ومسلمة بن مخلد، فهادنهم وجبى الخراج وانقضى أمر الجمل وهو بمصر.
وخشي معاوية أن يسير إليه عليّ في أهل العراق وقيس من ورائه في أهل مصر.
فكتب إليه يعظم قتل عثمان ويطوّقه عليّا ويحضّه على البراءة من ذلك ومتابعته على أمره على أن يوليه العراقين إذا ظفر ولا يعزله، يولّي من أراد من أهله الحجاز