وأمر الأعراب بقطع الميرة عن الموصل فضاقت الأبواب على عسكر معزّ الدولة، فسار عن الموصل إلى نصيبين واستخلف عليها سبكتكين الحاجب الكبير، وبلغه في طريقه أنّ أولاد ناصر الدولة بسنجار في عسكر، فبعث عسكرا فكبسوهم واشتغلوا بالنهب، فعاد إليهم أولاد ناصر الدولة وهم غازون فاستلحموهم، وسار ناصر الدولة عن نصيبين إلى ميافارقين. ورجع أصحابه إلى معزّ الدولة مستأمنين، فسار هو إلى أخيه سيف الدولة بحلب فتلقّاه وأكرمه وتراسلوا في الصلح على ألفي ألف درهم وتسعمائة ألف درهم، وإطلاق من أسر بسنجار وأن يكون ذلك في ضمان سيف الدولة فتمّ بينهما، وعاد معزّ الدولة إلى العراق في محرّم سنة ثمان وأربعين.
[بناء معز الدولة ببغداد]
أصاب معزّ الدولة سنة خمسين مرض أشفي منه حتى وصّى، واستوخم بغداد فارتحل إلى كلواذا ليسر إلى الأهواز، وأسف أصحابه لمفارقة بغداد، فأشاروا عليه أن يبني لسكناه في أعاليها. فبنى دارا أنفق عليها ألف ألف دينار، وصادر فيها جماعة من الناس.
[ظهور الكتابة على المساجد]
كان الديلم كما تقدّم لنا شيعة لإسلامهم على يد الأطروش، وقد ذكرنا ما منع بني بويه من تحويل الخلافة عن العبّاسية إليهم. فلما كان سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة أصبح مكتوبا على باب الجامع ببغداد: لعن صريح في معاوية ومن غصب فاطمة فدك، ومن منع من دفن الحسن عند جدّه ومن نفى أبا ذر، ومن أخرج العبّاس من الشورى، ونسب ذلك إلى معزّ الدولة. ثم محى من الليلة القابلة، فأراد معزّ الدولة إعادته، فأشار المهلبيّ بأن يكتب مكان المحو: لعن معاوية فقط والظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة أمر الناس بإظهار الزينة والفرح لعبد العزيز من أعيان الشيعة. وفي السنة بعدها أمر الناس في يوم عاشوراء أن يغلقوا دكاكينهم ويقعدوا عن البيع والشراء ويلبسوا المسوح، ويعلنوا بالنياحة، وتخرج النساء مسبّلات الشعور مسوّدات الوجوه قد شققن ثيابهنّ ولطمن خدودهنّ حزنا على الحسين، ففعل الناس ذلك. ولم يقدر أهل السنّة على منعه لأنّ السلطان للشيعة وأعيد ذلك سنة ثلاث وخمسين فوقعت فتنة بين أهل السنة والشيعة ونهب الأموال.