للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخبر عن استيلاء السلطان على سجلماسة ثم فراره عنها امام ابنه إلى مراكش واستيلائه عليها وما تخلل ذلك]

لما انفضت جموع السلطان بشدبونة وقلّ عساكره، وهلك الناصر ابنه، خلص إلى الصحراء مع وليّه ونزمار ولحق بحلل قومه سويد وأوطانهم قبلة جبل وانشريش، وأجمع أمره على قصد المغرب موطن قومه ومنبت عزّه ودار ملكه. وارتحل معه وليّه ونزمار بالنازعة [١] من قومه، وخرجوا إلى جبل راشد. ثم أبعدوا المذاهب وقطعوا المفاوز إلى سجلماسة في القفر. فلما أطلوا عليها وعاين أهلها السلطان تهافتوا عليه تهافت الفراش، وخرج إليه العذارى من وراء ستورهنّ صاغية إليه، وإيثارا لإيالته. وفرّ العامل بسجلماسة إلى منجاته. وكان الأمير أبو عنان لما بلغه الخبر بقصد سجلماسة، ارتحل إليها في قومه وكافة عساكره بعد أن أزاح عللهم وأفاض عطاءه فيهم، وكان ببني مرين نفرة عن السلطان وحذر من غائلته لجنايتهم بالتخاذل في المواقف، والفرار عنه في الشدائد، ولما كان يبعد بهم في الأسفار ويتجشّم بهم المهالك، فكانوا لذلك مجتمعين على منابذته، ومخلصين في مناصحة ابنه منازعة، فما لبث السلطان أن جاءه الخبر بوصولهم إليه في العساكر الضخمة، مغذّين السير إلى دفاعه، وعلم من حاله أنه لا يطيق دفاعهم، وأجفل عنه ونزمار وليّه في قومه سويد. وكان من خبره أنّ عريف بن يحيى كان نزع إلى الأمير أبي عنان وأحلّه بمحله المعهود من تشريفهم وولايتهم، حتى إذا بلغه الخبر بمناصحة ونزمار للسلطان ومظاهرته وقصده المغرب معه بناجعته، زوى عنه وجه رضاه بعض الشيء، وأقسم له لئن لم تفارق السلطان لأوقعنّ بك وبابنك عشر [٢] وكان معه في جملة الأمير أبي عنان، وأمره بأن يكتب له بذلك، فآثر ونزمار رضى أبيه. وعلم أنّ غناءه عن السلطان في وطن المغرب قليل، فأجفل عنه ولحق بالزاب وانتبذ عن قومه، وألقى عصاه ببسكرة، فكان ثواؤه بها إلى أن لحق بالأمير أبي عنان على ما نذكره.

ولما أجفل السلطان عن سجلماسة، دخل الأمير أبو عنان إليها وثقف أطرافها وسدّ


[١] وفي نسخة ثانية: بالناجعة.
[٢] وفي نسخة ثانية: عنتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>