فانهزم أصحاب عبد الله فقال لابن سراقة ما ترى؟ قال: الصبر إلى أن تموت فالغرار فيكم بمثلك قبيح. قال: بل آتي العراق فأنا معك فانهزموا وحوى أبو مسلم عسكرهم. وكتب بذلك إلى المنصور ومضى عبد الله وعبد الصّمد. فقدم عبد الصمد الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى، وأمّنه المنصور وقيل بل أقام بالرصافة حتى قدمها جمهور بن مروان العجليّ في خيول أرسلها المنصور، فبعث به موثقا مع أبي الخطيب، فأطلقه المنصور. وأمّا عبد الله فقدم البصرة وأقام عند أخيه سليمان متواريا حتى طلبه وأشخص إليه. ثم إنّ أبا مسلم أمّن الناس بعد الهزيمة وأمر بالكفّ عنهم.
[ذكر قتل أبي مسلم الخراساني]
كان أبو مسلم لما حج مع المنصور يؤيد نفسه عليه ويتقدّم بالإحسان للوفود وإصلاح الطريق والمياه، وكان الذكر له وكان الأعراب يقولون: هذا المكذوب عليه ولما صدروا عن الموسم تقدّم أبو مسلم ولقيه الخبر بوفاة السفاح فبعث إلى أبى جعفر يعزيه ولم يهنئه بالخلافة ولا رجع اليه ولا أقام ينتظره فغضب أبو جعفر وكتب اليه وأغلظ في العتاب فكتب يهنّئه بالخلافة ويقدم إلى [١] فدعا عيسى بن موسى إلى أن يبايع له فأبى وقدم أبو جعفر، وقد خلع عبيد الله بن عليّ، فسرّح أبا مسلم لقتاله فهزمه كما مرّ، وجمع الغنائم من عسكره. فبعث المنصور مولاه أبا الخصيب لجمعها، فغضب أبو مسلم وقال: أنا أعين على الدعاء فكيف أخون الأموال؟ وهمّ
[١] بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٤٦٨ وتحت عنوان قتل أبي مسلم الخراساني: «وفي هذه السنة- ١٣٧- قتل ابو مسلم الخراساني، قتله المنصور، وكان سبب ذلك ان ابا مسلم كتب إلى السفاح يستأذنه في الحج، على ما تقدّم، وكتب السفاح إلى المنصور وهو على الجزيرة وأرمينية وآذربيجان: إن ابا مسلم كتب الي يستأذنني في الحج وقد أذنت له وهو يريد ان يسألني ان اوليّة الموسم، فاكتب إلي تستأذنني في الحج فآذن لك، فانّك إن كنت بمكة لم يطمع ان يتقدمك. فكتب المنصور الى أخيه السفاح يستأذنه في الحجّ، فأذن له، فقدم الأنبار، فقال أبو مسلم: أما وجد أبو جعفر عاما يحج فيه غير هذا؟ وحقدها عليه، وحجّا معا، فكان أبو مسلم يكسوا الأعراب ويصلح الآبار، وكان الذكر له، وكان الأعراب يقولون: هذا المكذوب عليه. فلما قدم مكّة ورأى أهل اليمن قال: اي جند هؤلاء لو لقيهم رجل ظريف اللسان غزير الدمعة!. فلما صدر الناس عن الموسم تقدّم ابو مسلم في الطريق على أبي جعفر خبر وفاة السفّاح، فكتب إلى أبي جعفر يعزّيه عن أخيه ولم يهنّئه بالخلافة، ولم يقم حتى يلحقه ولم يرجع. فغضب أبو جعفر وكتب إليه كتابا غليظا. فلمّا أتاه الكتاب كتب إليه يهنّئه بالخلافة وتقدّم أبو مسلم فأتى الأنبار فدعا عيسى بن موسى إلى ان يبايع له ... »