[الفصل الثاني والأربعون في أن نقص العطاء من السلطان نقص في الجباية]
والسّبب في ذلك أنّ الدّولة والسّلطان هي السّوق الأعظم للعالم ومنه مادّة العمران فإذا احتجن السّلطان الأموال أو الجبايات أو فقدت فلم يصرفها في مصارفها قلّ حينئذ ما بأيدي الحاشية والحامية وانقطع أيضا ما كان يصل منهم لحاشيتهم وذويهم وقلّت نفقاتهم جملة وهم معظم السّواد ونفقاتهم أكثر مادّة للأسواق ممّن سواهم فيقع الكساد حينئذ في الأسواق وتضعف الأرباح في المتاجر فيقلّ الخراج لذلك لأنّ الخراج والجباية إنّما تكون من الاعتمار والمعاملات ونفاق الأسواق وطلب النّاس للفوائد والأرباح ووبال ذلك عائد على الدّولة بالنّقص لقلّة أموال السّلطان حينئذ بقلّة الخراج فإنّ الدّولة كما قلناه هي السّوق الأعظم أمّ الأسواق كلّها وأصلها ومادّتها في الدّخل والخرج فإن كسدت وقلّت مصارفها فأجدر بما بعدها من الأسواق أن يلحقها مثل ذلك وأشدّ منه وأيضا فالمال إنّما هو متردّد بين الرّعيّة والسّلطان منهم إليه ومنه إليهم فإذا حبسه السّلطان عنده فقدته الرّعيّة سنّة الله في عباده.
[الفصل الثالث والأربعون في أن الظلم مؤذن بخراب العمران]
اعلم أنّ العدوان على النّاس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها