بالقهر ظاهرا لما يرون أنّه مال الجباية والدّول وأنّه مستحقّ للإنفاق في المصالح وإذا كانت أعينهم تمتدّ إلى أهل الثّروة واليسار المتكسّبين من وجوه المعاش فأحرى بها أن تمتدّ إلى أموال الجباية والدّول الّتي تجد السّبيل إليه بالشّرع والعادة ولقد حاول السّلطان أبو يحيى زكريّا بن أحمد اللّحيانيّ تاسع أو عاشر ملوك الحفصيّين بإفريقة الخروج عن عهدة الملك واللّحاق بمصر فرارا من طلب صاحب الثّغور الغربيّة لمّا استجمع لغزو تونس فاستعمل اللّحيانيّ الرّحلة إلى ثغر طرابلس يورّي بتمهيده وركب السّفين من هنالك وخلص إلى الإسكندريّة بعد أن حمل جميع ما وجده ببيت المال من الصّامت [١] والذّخيرة وباع كلّ ما كان بخزائنهم من المتاع والعقار والجوهر حتّى الكتب واحتمل ذلك كلّه إلى مصر ونزل على الملك النّاصر محمّد بن قلاون سنة سبع عشرة من المائة الثّامنة فأكرم نزله ورفع مجلسه ولم يزل يستخلص ذخيرته شيئا فشيئا بالتّعريض إلى أن حصل عليها ولم يبق معاش ابن اللّحيانيّ إلّا في جرابته الّتي فرضت له إلى أن هلك سنة ثمان وعشرين حسبما نذكره في أخباره فهذا وأمثاله من جملة الوسواس الّذي يعتري أهل الدّول لما يتوقّعونه من ملوكهم من المعاطب وإنّما يخلصون إن اتّفق لهم الخلاص بأنفسهم وما يتوهّمونه من الحاجة فغلط ووهم والّذي حصل لهم من الشّهرة بخدمة الدّول كاف في وجدان المعاش لهم بالجرايات السّلطانيّة أو بالجاه في انتحال طرق الكسب من التّجارة والفلاحة والدّول أنساب لكن:
النّفس راغبة إذا رغّبتها ... وإذا تردّ إلى قليل تقنع
والله سبحانه هو الرّزّاق وهو الموفّق بمنّه وفضله والله أعلم.