للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تهيجهم فتحصل لهم الميرة بالمسالمة فذلك أبعد وأشدّ امتناعا فدلّ على أنّ هذه الأخبار واهية أو موضوعة. وأمّا وادي الرّمل الّذي يعجز السّالك فلم يسمع قطّ ذكره في المغرب على كثرة سالكه ومن يقصّ طرقه من الرّكّاب والقرى [١] في كلّ عصر وكلّ جهة وهو على ما ذكروه من الغرابة تتوفّر الدّواعي على نقله. وأمّا غزوهم بلاد الشّرق وأرض التّرك وإن كان طريقه أوسع من مسالك السّويس إلّا أنّ الشّقّة هنا أبعد وأمم فارس والرّوم معترضون فيها دون التّرك ولم ينقل قطّ أنّ التّبابعة ملكوا بلاد فارس ولا بلاد الرّوم وإنّما كانوا يحاربون أهل فارس على حدود بلاد العراق وما بين البحرين والحيرة والجزيرة بين دجلة والفرات وما بينهما في الأعمال وقد وقع ذلك بين ذي الأذعار منهم وكيكاوس من ملوك الكيانيّة وبين تبّع الأصغر أبي كرب ويستأسف منهم أيضا ومع ملوك الطّوائف بعد الكيانيّة والسّاسانيّة من بعدهم بمجاوزة [٢] أرض فارس بالغزو إلى بلاد الترك والتّبت وهو ممتنع عادة من أجل الأمم المعترضة منهم والحاجة إلى الأزودة والعلوفات مع بعد الشّقّة كما مرّ فالأخبار بذلك واهية مدخولة وهي لو كانت صحيحة النّقل لكان ذلك قادحا فيها فكيف وهي لم تنقل من وجه صحيح وقول ابن إسحاق في خبر يثرب والأوس والخزرج أنّ تبّعا الآخر سار إلى المشرق محمولا على العراق وبلاد فارس وأمّا بلاد التّرك والتّبت فلا يصحّ غزوهم إليها بوجه لما تقرّر فلا تثقنّ بما يلقى إليك من ذلك وتأمّل الأخبار واعرضها على القوانين الصّحيحة يقع لك تمحيصها بأحسن وجه والله الهادي إلى الصّواب.

[فصل]

وأبعد من ذلك وأعرق في الوهم ما يتناقله المفسّرون في تفسير سورة «والفجر»


[١] بمعنى: الأشخاص الذين يطوفون في البلاد (قاموس) .
[٢] كذا بالأصل في جميع النسخ وتصويب العبارة: وأمّا مجاوزة أرض فارس.

<<  <  ج: ص:  >  >>