فلما قبض أبو ثعلب بن ناصر الدولة بن حمدان على أبيه وحبسه، واستقل بملك الموصل وعصى عليه إخوته من سائر النواحي غلبهم، ولحق أخوه أحمد وإبراهيم ببختيار فاستصرخاه فوعدهما بالمسير معهما، وأن يضمن حمدان البلاد. ثم أبطأ عليهما فرجع إبراهيم إلى أخيه أبي ثعلب، وقارن ذلك وزارة ابن بقيّة، وقصّر أبو ثعلب في خطابه فأغرى به بختيار فسار إليه، ونزل الموصل، وفارقها أبو ثعلب إلى سنجار وأخلاها من الميرة والكتّاب والدواوين. ثم سار من سنجار إلى بغداد فحاربها، ولم يحدث في سوادها حدثا. وبعث بختيار إثره العساكر مع ابن بقيّة والحاجب سبكتكين، فدخل ابن بقية بغداد، وأقام سبكتكين بجدي. وثار العيّارون واضطربت الفتنة بين أهل السنّة والشيعة، وضربوا الأمثال (لنشتدّ على الوزير بحرب الجمل) ، وهذا كلّه في الجانب الغربي. ونزل أبو ثعلب حذاء سبكتكين بجدي واتفقا في سرّ على خلع الخليفة ونصب غيره والقبض على الوزير وعلى بختيار وتكون الدولة لسبكتكين ويعود أبو ثعلب إلى الموصل ليتمكّن من بختيار. ثم قصر سبكتكين عن ذلك وخشي سوء المغبّة، واجتمع به الوزير ابن بقيّة وصالحوا أبا ثعلب على ضمان أعماله كما كانت، وزيادة ثلاثة آلاف كرّ من الغلّة لبختيار، وأن يردّ على أخيه حمدان أملاكه وأقطاعه إلّا ماردين. وأرسلوا إلى بختيار بذلك. ودخل أبو ثعلب إلى الموصل، فلمّا نزل الموصل وبختيار بالجانب الآخر فغضب أهل الموصل لأبي ثعلب لما نالهم من عسف بختيار، فتراسلوا في الصلح ثانيا، وسأل أبو ثعلب لقبا سلطانيا وتسليم زوجته ابنة بختيار فأبى ذلك، ورحل عنه إلى بغداد.
وبلغه في طريقه أن أبا ثعلب قتل مخلّفين من أصحاب بختيار، فأقام بالكحيل وبعث بالوزير وابن بقية وسبكتكين فجاءوه في العساكر، ورجع إلى الموصل وفارقها أبو ثعلب، وبعث إلى الوزير كاتبه ابن عرس وصاحبه ابن حوقل معتذرا وحلفا عنه عن العلم بما وقع، فاستحكم بينهم صلح آخر. وانصرف كل منهم إلى بلده، وبعث بختيار إليه زوجته واستقرّ أمرهما على ذلك.