للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما زال يراجعهم ويراجعونه بالمقاربة والوعد إلى أن أحيط بابن يملول، واستولى السلطان على بلده فلحق ببسكرة وهلك بها لسنة من خروجه آخر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة وبقي ابن مزني من بعده متعلّلا بتلك الأماني الكاذبة إلى أن ظهر أمره وتبيّن عجزه، فراجع طاعة السلطان أبي العباس واستقام على الموادعة، ولحق الأمير أبو زيّان بحضرة السلطان بتونس فنزل بها أكرم نزل مؤمّلا منه المظاهرة على عدوّه.

والحال بالمغرب الأوسط لهذا العهد على ما شرحناه مرارا من تغلّب العرب على الضواحي والكثير من الأمصار. وتقلّص ظلّ الدولة عن القاصية وارتدادها على عقبها إلى مراكزها بسيف البحر، وتضاؤل قدرتها على قدرتهم، وإعطاء اليد في مغالبتهم ببذل رغائب الأموال. وإقطاع البلاد والنزول عن الكثير من الأمصار، والقنوع بالتغريب بينهم وإغراء بعضهم ببعض والله وليّ الأمور.

[(قسمة السلطان للأعمال بين ولده وما حدث بينهم من التنافس)]

كان لهذا السلطان أبي حمّو جماعة من الولد كبيرهم أبو تاشفين عبد الرحمن. ثم بعده أربعة لأم واحدة، كان تزوّجها بميلة من أعمال قسنطينة أيام جولته في بلاد الموحدين، كبيرهم المنتصر. ثم أبو زيان محمد، عمر ويلقب عميرا، ثم بعد ولد كثيرون أبناء علات. وكان أبو تاشفين ولي عهده، وقد رفعه على الباقين وأشركه في رأيه [١] ، وأوجب له الحق على وزراء دولته، فكان لذلك رديفه في ملكه ومظهر سلطانه. وكان مع ذلك يتعاهد أولئك الإخوة الأشقاء بحنوه، ويقسّم لهم من ترشيحه والنجاء في خلوته، فتنغّص أبو تاشفين منهم، فلما استفحل أمر السلطان وانمحت من دولته آثار الخوارج [٢] ، أعمل نظره في قسمة الأعمال بين ولده وترشيحهم للإمارة والبعد بهم عن أخيهم أبي تاشفين، أن يصيبهم بمكروه عند إيناس الغيرة منهم، فولّى المنتصر كبيرهم على مليانة وأعمالها، وأنفذه إليها ومعه أخوه عمر الأصغر في كفالته، وولّى أخاهما الأوسط أبا زيّان على المرية وما إليها من بلاد


[١] وفي نسخة ثانية: أشركه في أمره.
[٢] وفي نسخة ثانية: اثار الخلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>