للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معي إلى مقعد الحكم بمدرسة القضاء، فقمت في ذلك المقام المحمود، ووفّيت عهد الله وعهده في إقامة رسوم الحقّ، وتحريّ المعدلة، حتى سخطني من لم ترضه أحكام الله، ووقع في ذلك ما تقدّم ذكره، وكثر شغب أهل الباطل والمراء، فأعفاني السلطان منها لحول من يوم الولاية، وكان تقدّمها وصول الخبر بغرق السّفين الواصل من تونس إلى الإسكندريّة، وتلف الموجود والمولود، وعظم الأسف، وحسن العزاء، والله قادر على ما يشاء.

ثم خرجت عام تسعة وثمانين وسبعمائة لقضاء الفرض، وركبت بحر السويس من الطّور إلى الينبع، ورافقت المحمل إلى مكّة، فقضيت الحجّ عامئذ، وعدت إلى مصر في البحر كما سافرت أولا. وشغرت وظيفة الحديث بمدرسة صلغتمش، فولّاني السّلطان إياها بدلا من مدرسته في محرّم أحد وتسعين وسبعمائة، ومضيت على حالي من الانقباض، والتّدريس، والتّأليف، حتى ولّاني خانقاه بيبرس، ثم عزلني عنها بعد سنة أو أزيد، بسبب أنا أذكره الآن.

[(ولاية خانقاه بيبرس، والعزل منها)]

لما رجعت من قضاء الفرض سنة تسعين وسبعمائة، ومضيت على حالي من التّدريس والتأليف، وتعاهد السلطان باللّقاء والتّحيّة والدعاء، وهو ينظر إليّ بعين الشّفقة، ويحسن المواعيد. وكانت بالقاهرة خانقاه شيّدها السلطان بيبرس، ثامن ملوك الترك الّذي استبدّ على النّاصر محمد بن قلاون [١] هو ورفيقه سلار [٢] وأنف النّاصر من استبدادهما، وخرج للصيد، فلمّا حاذى الكرك امتنع به، وتركهم وشأنهم، فجلس بيبرس على التّخت مكانه، وكاتب الناصر أمراء الشّام من مماليك أبيه، واستدعوه للقيام معه، وزحف بهم إلى مصر، وعاد إلى سلطانه، وقتل بيبرس


[١] هو الملك الناصر محمد بن الملك المنصور ابن قلاوون. تولى الملك ثلاث مرات كانت الأخيرة منها في سنة ٧٠٩، وبقي ملكا حتى مات سنة ٧٤١، وعمره ٥٨ سنة. الخطط طبع مصر ٤/ ٩٨- ١٠٢.
[٢] الأمير سيف الدين سلار المنصوري، كان من أسرى التتار، فخلص وصار مولى لعلاء الدين علي بن المنصور بن قلاوون، واليه ينتسب، ساءت علاقته بالناصر، فاعتقله، واستصفى أمواله وقتله. راجع المجلد الخامس من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>