القلاع يستدعيهم على لسان مهد الدولة، وفيهم خواجا أبو القاسم صاحب أرزن الروم، فسار إلى ميّافارقين، ولم يسلم القلعة لأحد. وسمع في طريقه بقتل مهد الدولة فرجع من الطريق إلى أرزن الروم، وأحضر أبا نصر بن مروان من أسعرد، وجاء به إلى أبيهم مروان. وكان قد أضرّ ولزم قبر ابنه أبي علي بأرزن هو وزوجته فأحضره خواجا عنده، واستحلفه عند أبيه وقبر أخيه، وملك أرزن. وبعث شروة من ميّافارقين إلى أسعرد عن أبي نصر بن مروان، ففاته إلى أرزن، فأيقن بانتقاض أمره. ثم ملك أبو نصر سائر ديار بكر، ولقّب نصير الدولة، ودامت أيامه. وأحسن السيرة وقصده العلماء من سائر الآفاق وكثروا عنده. وكان ممن قصده أبو عبد الله الكازروني، وعنه انتشر مذهب الشافعيّ بديار بكر، وقصده الشعراء ومدحوه وأجزل جوائزهم. وأقامت الثغور معه آمنة، والرعية في أحسن ملكة إلى أن توفي.
[(استيلاء نصير الدولة بن مروان على الرها)]
كانت مدينة الرّها بيد عطير، وكاتبوا أبا نصر بن مروان أن يملكوه فبعث نائبة بآمد ويسمى زنك فملكها، واستشفع عطير بصالح بن مرداس صاحب حلب إلى ابن مروان فأعطاه نصف البلد، ودخل إلى نصير الدولة بميّافارقين فأكرمه، ومضى إلى الرّها فأقام بها مع زنك. وحضر بعض الأيام مع زنك في صنيع، وحضر ابن النائب الّذي قتله فحمله زنك على الأخذ بثأره فاتبعه لما خرج، ونادى بالثأر واستنفر أهل السوق فقتلوه في ثلاثة نفر. وكمن له بنو نمير خارج البلد وبعثوا من يغير منهم عليها، فخرج زنك في العسكر. ولما جاوز الكمين خرجوا عليه وقاتلوه وأصابه حجر فمات من ذلك فاتح ثمان عشرة وأربعمائة وخلصت الرّها لنصير الدولة. ثم شفع صالح بن مرداس في ابن عطير وابن شبل فردّ إليهما البلد إلى أن باعه ابن عطير من الروم كما يأتي.
[(حصار بدران بن مقلد نصيبين)]
كانت نصيبين لنصير الدولة بن نصر بن مروان، فسار إليها بدران بن المقلّد في جموع