للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسها عليه، وجاء أبو طالب فخطبها الى أبيها فزوجه، وحضر الملأ من قريش، وقام أبو طالب خطيبا فقال: «الحمد للَّه الّذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ [١] معدّ وعنصر مضر وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا أمناء بيته وسوّاس حرمه وجعلنا الحكّام على الناس وأنّ ابن أخي محمد بن عبد الله من قد علمتم قرابته وهو لا يوزن بأحد إلّا رجح به فان كان في المال قلّ فإنّ المال ظلّ زائل وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل» . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة.

وشهد بنيان الكعبة لخمس وثلاثين من مولده حين أجمع كل قريش على هدمها وبنائها، ولما انتهوا إلى الحجر تنازعوا أيهم يضعه وتداعوا للقتال، وتحالف بنو عبد الدار على الموت [٢] ثم اجتمعوا وتشاوروا، وقال أبو أمية حكموا أول داخل من باب المسجد فتراضوا على ذلك. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين، وبذلك كانوا يسمّونه، فتراضوا به وحكموه. فبسط ثوبا ووضع فيه الحجر وأعطى قريشا أطراف الثوب، فرفعوه حتى أدنوه من مكانه، ووضعه عليه السلام بيده [٣] . وكانوا أربعة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمر بن مخزوم، وقيس بن عدي السهمي. ثم استمرّ على أكمل الزكاء والطهارة في أخلاقه، وكان يعرف بالأمين، وظهرت كرامة الله فيه وكان إذا أبعد في الخلاء لا يمرّ بحجر ولا شجر إلا ويسلم عليه.

[بدء الوحي]

ثم بدئ بالرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثم تحدّث الناس بشأن ظهوره ونبوّته، ثم حببت إليه العبادة والخلوة بها فكان يتزوّد للانفراد حتى جاء الوحي بحراء لأربعين سنة من مولده وقيل لثلاث وأربعين. وهي حالة يغيب


[١] الأصل والعدن (قاموس) .
[٢] وفي النسخة الباريسية: وتحالف بنو عبد الدار وبنو عدي على الموت.
[٣] وفي النسخة الباريسية: واعطى أشراف قريش جنباته فرفعوه حتى أدنوه من مكانه وفي الكامل ج ٢، ص ٤٥: فقال: هلمّوا إليّ ثوبا، فأوتي به، فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه ثمّ قال: لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا. فلمّا بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بني عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>