للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(الخبر عن استقدام عبد المهيمن للكتابة والعلامة)]

كان بنو عبد المهيمن من بيوتات سبتة، ونسبهم في حضرموت. وكانوا أهل تجلّة ووقار، منتحلين للعلم. وكان أبو محمد قاضيا بسبتة أيام أبي طالب وأبي حاتم، وكان له معهم صهر. ونشأ ابنه عبد المهيمن هذا في حجر الطلب والجلالة، وقرأ صناعة العربيّة على الأستاذ الغافقي وحذق فيها. ولما نزلت بهم نكبة الرئيس أبي سعيد سنة خمس وسبعمائة واحتملوا إلى غرناطة، احتمل فيهم القاضي محمد بن عبد المهيمن وابنه. وقرأ عبد المهيمن بغرناطة على مشيختها، وازداد علما وبصرا باللسان والحديث. واستكتب بدار السلطان محمد المخلوع، واختصّ بوزيره المتغلّب على دولته محمد بن الحكيم الرنديّ فيمن اختص به من رؤساء بني العزفي. ثم رجع بعد نكبة ابن الحكيم إلى سبتة، وكتب عن قائدها ابن مسلمة مدّة. ولما استخلص بنو مرين سبتة سنة تسع وسبعمائة اقتصر على الكتابة، وأقام منتحلا مذاهب سلفه في انتحال العلم ونزول المروءة. ولما استولى السلطان أبو سعيد على المغرب واستقل بولاية العهد، وتغلّب على الأمر ابنه أبو علي، وكان محبّا للعلم مولعا بأهله منتحلا لفنونه.

وكانت دولته خلوا من صناعة التراسل مذ عهد الموحدين للبداوة الموجودة في أوّلهم [١] . وحصل للأمير أبي عليّ بعض البصر بالبلاغة واللسان تفطّن به لشأن ذلك، وخلو دولتهم من الكتّاب المرسلين، وأنهم إنما يحكمون الخطّ الّذي حذقوا فيه. ورأى الأصابع تشير إلى عبد المهيمن في رياسة تلك الصناعة، فولع به. وكان كثير الوفادة مع أهل بلده أوقات وفادتهم، فيختصه الأمير أبو علي بمزيد برّه وكرامته، ويرفع مجلسه، ويخطبه للكتابة وهو يمتنع عليه. حتى إذا أمضى عزيمته في ذلك أوعز إلى عامله بسبتة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة أن يشخصه إلى بابهم فقلده كتابته وعلامته حتى إذا خرج أبو علي على أبيه تحيز عبد المهيمن الى الأمير أبي الحسن، فلما صولح أبو علي على النزول عن البلد الجديد وكتب شرطه على السلطان كان من جملتها كون عبد المهيمن معه، وأمضى له السلطان ذلك وأنف الأمير أبو


[١] وفي طبعة بولاق: الموجدة في دولتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>