وعقبة بن نافع بأهل مصر كذلك (ثم) بعث معاوية سنة خمسين جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم مع سفيان بن عوف وندب يزيد ابنه معهم فتثاقل فتركه. ثم بلغ الناس أنّ الغزاة أصابهم جوع ومرض وبلغ معاوية أنّ يزيد أنشد في ذلك:
ما إن أبالي بما لاقت جموعهم ... بالفدفد البيد من حمّى ومن شوم
إذا اتطأت على الأنماط مرتفقا ... بدير مرّان عندي أمّ كلثوم
وهي امرأته بنت عبد الله بن عامر فحلف ليلحقن بهم فسار في جمع كثير جمعهم إليه معاوية فيهم ابن عبّاس وابن عامر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري فأوغلوا في بلاد الروم وبلغوا القسطنطينيّة وقاتلوا الروم عليها. فاستشهد أبو أيوب الأنصاري ودفن قريبا من سورها ورجع يزيد والعساكر إلى الشام ثم شتّى فضالة بن عبيد بأرض الروم سنة إحدى وخمسين وغزا بسر بن أرطاة بالصائفة.
[وفاة المغيرة]
توفي المغيرة وهو عامل على الكوفة سنة خمسين بالطاعون، وقيل سنة تسع وأربعين وقيل سنة إحدى وخمسين، فولّى مكانه معاوية زيادا وجمع له المصرين فسار زياد إليها واستخلف على البصرة سمرة بن جندب فلما وصل الكوفة خطبهم فحصبوه على المنبر فلما نزل جلس على كرسيّ وأحاط أصحابه بأبواب المسجد يأتونه بالناس يستحلفهم على ذلك، ومن لم يخلف حبسه فبلغوا ثمانين واتخذ المقصورة من يوم حبس. ثم بلغه عن أوفى بن حسين شيء فطلبه، فهرب ثم أخذه فقتله وقال له عمارة بن عتبة بن أبي معيط: إنّ عمر بن الحمق يجتمع إليه شيعة عليّ فأرسل إليه زياد ونهاه عن الاجتماع عنده. وقال لا أبيح أحدا حتى يخرج عليّ، وأكثر سمرة بن جندب اليتامى بالبصرة يقال قتل ثمانية آلاف فأنكر ذلك عليه زياد انتهى.
(كان عمرو بن العاص) قبل وفاته استعمل عقبة بن عامر بن عبد قيس على إفريقية، وهو ابن خالته انتهى الى لواته [١] ومرانه، فأطاعوا ثم كفروا فغزاهم وقتل وسبى. ثم افتتح سنة اثنتين وأربعين غذامس. وفي السنة التي بعدها ودّان وكورا من كور السودان وأثخن في تلك النواحي، وكان له فيها جهاد وفتوح. ثم ولّاه معاوية على إفريقية سنة خمسين وبعث إليه عشرة آلاف فارس، فدخل إفريقية وانضاف إليه مسلمة البربر، فكبر جمعه ووضع السيف في أهل البلاد، لأنهم كانوا إذا جاءت عساكر المسلمين أسلموا، فإذا رجعوا عنهم ارتدّوا فرأى أن يتخذ مدينة يعتصم بها
[١] من نواحي الأندلس من أعمال فرّيش، ولواته: قبيلة من البربر.