إنّ ابن ضابئ تخلّف بعد ثالثة من النداء فأمرنا بقتله، وذمة الله بريئة ممن بات الليلة من جند المهلّب فتساءل الناس إلى المهلب وهو بدار هرمز وجاءه العرفاء فأخذوا كتبه بموافاة العسكر ثم بعث الحجّاج على البصرة الحكم بن أيوب الثقفيّ وأمره أن يشتدّ على خالد بن عبد الله، وبلغه الخبر فقسّم في أهل البصرة ألف ألف وخرج عنها. ويقال إن الحجّاج أوّل من عاقب على التخلّف عن البعوث بالقتل قال الشعبيّ: كان الرجل إذا أخلّ بوجهه الّذي يكتب إليه زمن عمر وعثمان وعليّ تنزع عمامته ويقام بين الناس، فلما ولي مصعب أضاف إليه حلق الرءوس واللحى، فلما ولي بشر أضاف إليه تعليق الرجل بمسمارين في يده في حائط فيخرق المسماران يده وربما مات فلما جاء الحجّاج ترك ذلك كله وجعل عقوبة من تخلّى بمكانه من الثغر أو البعث القتل. ثم ولّى الحجاج على السند سعيد بن أسلم بن زرعة فخرج عليه معاوية ابن الحرث الكلابي العلاقي وأخوه، فغلباه على البلاد وقتلاه فأرسل الحجّاج مجاعة ابن سعيد التميمي مكانه فغلب على الثغر وغزا وفتح فتوحات بمكران لسنة من ولايته.
[وقوع أهل البصرة بالحجاج]
ثم خرج الحجّاج من الكوفة واستخلف عليها عروة بن المغيرة بن شعبة وسار إلى البصرة وقدمها وخطب كما خطب بالكوفة وتوعد على القعود عن المهلب كما توعد فأتاه شريك بن عمرو اليشكري وكان به فتق فاعتذر به وبأنّ بشر بن مروان قبل عذره بذلك وأحضر عطاءه ليردّ لبيت المال فضرب الحجاج عنقه وتتابع الناس مزدحمين إلى المهلب ثم سار حتى كان بينه وبين المهلّب ثمانية عشر فرسخا. وأقام يشدّ ظهره وقال: يا أهل المصرين هذا والله مكانكم حتى يهلك الله الخوارج. ثم قطع لهم الزيادة التي زادها مصعب في الأعطية وكانت مائة مائة وقال: لسنا نجيزها. فقال عبد الله بن الجارود: إنما هي زيادة عبد الملك وقد أجازها أخوه بشر بأمره، فانتهره الحجّاج فقال: إني لك ناصح وإنه قول من ورائي فمكث الحجّاج أشهرا لا يذكر الزيادة ثم أعاد القول فيها فردّ عليه ابن الجارود مثل الردّ الأوّل. فقال له مضفلة بن كرب العبديّ سمعا وطاعة للأمير فيما أحببنا وكرهنا وليس لنا أن نردّ عليه. فانتهره ابن الجارود وشتمه وأتى الوجوه إلى عبد الله بن حكيم بن زياد المجاشعيّ وقالوا:
إنّ هذا الرجل مجمع على نقص هذه الزيادة وإنّا نبايعك على إخراجه من العراق،