للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتقبّلها وحسن لديه موقعها. وكان يوم وفادتهم عليه بمصر يوما مشهودا، تحدّث به الناس دهرا، ولقاهم في طريقهم أنواع البرّ والتكرمة حتى قضوا فرضهم، ووضعوا المصحف الكريم حيث أمرهم صاحبهم. وأسنى هدية السلطان من فساطيطهم الغريبة الشكل والصنعة بالمغرب، ومن ثياب الإسكندرية البديعة النسج المرقومة بالذهب، ورجّعهم بها إلى مرسلهم وقد استبلغ في تكريمهم ووصلتهم. وبقي حديث هذه الهديّة مذكورا بين الناس لهذا العهد.

ثم انتسخ السلطان نسخة أخرى من المصحف الكريم على القانون الأوّل، ووقفها على القراءة بالمدينة، وبعث بها من تخيّره لذلك العهد من أهل دولته. سنة [١] واتصلت الولاية بينه وبين الملك الناصر إلى أن هلك سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وولي الأمر من بعده ابنه أبو الفداء إسماعيل، فخاطبه السلطان وأتحفه وعزّاه عن أبيه، وأوفد عليه كاتبه وصاحب ديوان الخراج أبا الفضل بن عبد الله بن أبي مدين فقضى من وفادته ما حمل. وكان شأنه عجبا في إظهار أبّهة سلطانه، والإنفاق على المستضعفين من الحاج في طريقه، واتحاف رجال الدولة التركيّة بدأت يده والتعفّف عمّا في أيديهم. ثم شرع بعد استيلائه على إفريقية كما نذكره في كتاب نسخة أخرى من المصحف الكريم ليوقفها ببيت المقدس، فلم يقدر إتمامها، وهلك قبل فراغه من نسخها، كما نذكره إن شاء الله تعالى.

(الخبر عن هدية السلطان الى ملك مالي من السودان المجاورين للمغرب)

كان للسلطان أبي الحسن مذهب في الفخر يتطاول به إلى مناغات الملوك الأعاظم واقتفاء سننهم في مهاداة الأقتال والأمصار [٢] ، وإيفاد الرسل على ملوك النواحي القاصية والتخوم البعيدة. وكان ملك مالي أعظم ملوك السودان لعهده مجاورا لملكه بالمغرب على مائة مرحلة في القفر من ثغور ممالكه القبليّة. ولمّا غلب بني عبد الواد على تلمسان وابتزّهم ملكهم، واستولى على ممالك المغرب الأوسط، وتحدّث الناس


[١] بياض بالأصل ولم نستطع تحديد هذه السنة في المراجع التي بين أيدينا.
[٢] وفي نسخة ثانية: الانظار.

<<  <  ج: ص:  >  >>