استشهد وبعث العساكر إلى الموصل فحاصروها تسعة أشهر حتى جهدهم الحصار واستسلموا فملكها التتر وقتلوا الصالح إسماعيل والظاهر خلال ذلك مقيم بدمشق وقد وفد عليه بنو أيوب من نواحي الشام وأعطوه طاعتهم المنصور صاحب حماة والأشرف صاحب حمص فأكرم وصلهما وولاهما على أعمالها وأذن لهما في اتخاذ الآلة وبسط حكمهما على بلاد الإسماعيلية وإلى المنصور تل باشر الّذي اعتاضه عن حمص لما آخذها منه الناصر صاحب حلب ووفد على الظاهر أيضا بدمشق الزاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص وصاحب بعلبكّ والمنصور والسعيد ابنا الصالح إسماعيل بن العادل والأمجد بن الناصر داود والأشرف بن مسعود والظاهر بن المعظم فأكرم وفادتهم وقابل بالإحسان والقبول طاعتهم وفرض لهم الأرزاق وقرّر الجرايات ثم قفل إلى مصر وأفرج عن العزيز بن المغيث الّذي كان اعتقله قطز وأطلقه يوم الموقعة بالكرك وولى على أحياء العرب بالشام عيسى بن مهنا بن مانع بن جريلة من رجالاتهم ووفر لهم الإقطاع على حفظ السابلة إلى حدود العراق ورجع إلى مصر فقدم عليه رجل من عقب المسترشد من خلفاء بني العباس ببغداد اسمه أحمد فأثبت نسبه ابن بنت الأعز كالأوّل وجمع الظاهر الناس على مراتبهم وبايع له وفوض إليه هو الأمور وخرج إليه عن التدبير وكانت هذه البيعة سنة ستين ونسبه عند العباسيين في أدراج نسبهم الثابت أحمد بن أبي بكر علي بن أبي بكر بن أحمد بن الإمام المسترشد وعند نسابة مصر أحمد بن حسن بن أبي بكر بن الأمير أبي علي القتبي بن الأمير حسن بن الإمام الراشد بن الإمام المسترشد هكذا قال صاحب حماة في تاريخه وهو الّذي استقرّت الخلافة في عقبه بمصر لهذا العهد انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.
[فرار التركمان من الشام إلى بلاد الروم]
كان التركمان عند دخول التتر إلى بلاد الشام كلهم قد أجفلوا إلى الساحل واجتمعت أحياؤهم بالجوكان قريبا من صفد وكان الظاهر لما نهض إلى الشام اعترضه رسل الإفرنج من يافا وبيروت وصفد يسألونه في الصلح على ما كان لعهد صلاح الدين فأجابهم وكتب به إلى الانبردور [١] ملكهم ببلاد إفرنسة وراء البحر فكانوا في ذمة من الظاهر وعهد ووقعت بين الإفرنج بصفد وبين أحياء التركمان واقعة يقال أغار فيها أهل صفد عليهم فأوقع بهم التركمان وأسروا عدّة من رؤسائهم وفادوهم بالمال ثم خشوا عاقبة ذلك من الظاهر فارتحلوا إلى بلاد الروم وأقفر الشام منهم والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.