الأمر فاستمد طفتكين أتابك دمشق فأمدّه بنفسه وطال الحصار، وحضر أوان الغلال فخشي الفرنج أن يفسد طفتكين غلال بلدهم فأفرجوا عنها إلى عكا وكفى الله شرّهم. ثم زحف بغدوين ملك الفرنج من القدس إلى مصر وبلغ سنتين وسبح في النيل فانتقض عليه جرح كان به، وعاد إلى القدس ومات، وعهد بملك القدس للقمص صاحب الرّها، ولولا ما نزل بملوك السلجوقيّة من الفتنة لكانوا قد استرجعوا من الفرنج جميع ما ملكوه من الشام، ولكنّ الله خبّأ ذلك لصلاح الدين بن أيوب حتى فاز بذكره.
[(مقتل الأفضل)]
قد قدّمنا أنّ الآمر ولّاه الأفضل صغيرا ابن خمس، فلما استجمع واشتدّ تنكّر للأفضل وثقلت وطأته عليه فانتقل الأفضل إلى مصر وبنى بها دارا ونزلها، وخطب منه الأفضل ابنته فزوّجها على كره منه وشاور الآمر أصحابه في قتله، فقال له ابن عمه عبد المجيد وكان وليّ عهده: لا تفعل وحذّره سوء الأحدوثة لما اشتهر بين الناس من نصحه ونصح أبيه وحسن ولايتهما للدولة، ولا بدّ من إقامة غيره والاعتماد عليه فيتعرّض للحذر من مثلها إلى الامتناع منه. ثم أشار عليه من مداخلة ثقته أبي عبد الله ابن البطائحي في مثل ذلك فإنه يحسن تدبيره ويضع عليه من يغتاله، ويقتل به فيسلم عرضك. وكان ابن البطائحي فرّاشا بالقصر، واستخلصه الأفضل ورقّاه واستحجبه، فاستدعاه الآمر وداخله في ذلك، ووعده بمكانه فوضع عليه رجلان فقتلاه بمصر وهو سائر في موكبه من القاهرة منقلبا من خزانة السلاح في سنة خمس عشرة وخمسمائة، كان يفرّق السلاح على العادة في الأعياد وثار الغبار في طريقه فانفرد عن الموكب فبدره الرجلان وطعناه فسقط، وقتلا، وحمل إلى داره وبه رمق فجاءه الآمر متوجّعا وسأله عن ماله فقال أمّا الظاهر فأبو الحسن بن أبي أسامة يعرفه، وكان أبوه قاضيا بالقاهرة وأصله من حلب. وأمّا الباطن فإنّ البطائحي يعرفه. ثم قضى الأفضل نحبه لثمان وعشرين سنة من وزارته، واحتاط الآمر على داره فوجد له ستة آلاف كيس من الذهب العين، وخمسين أردبا من الورق، ومن الديباج الملوّن والمتاع البغدادي والإسكندريّ وظرف الهند وأنواع الطيوب والعنبر