وأوصاه بالرجوع إلى محمد بن أبي مهدي زعيم البلد وقائد الأسطول المتقدّم على أهل الشطارة والرجولة من رجل البلد ورماتهم. فقام هذا الأمير أبو عبد الله في منصب الملك ببجاية أحسن قيام واصطنع أبي مهديّ أحسن اصطناع فكان يجري في قصوره وأغراضه ويكفيه مهمه في سلطانه، ويراقب مرضاة السلطان في أحواله، والأمير يعرف له ذلك ويوفيه حقّه إلى أن أدركته المنية أوائل خمس وثمانين وسبعمائة فتوفي على فراشه آنس ما كان سربا وآمن روعا مشيعا من رضى أبيه ورعيته بما يفتح له أبواب الرضى من ربه، وبلغ نعيه إلى أبيه بتونس فبادر بإنفاذ العهد لابنه أبي العباس أحمد بولاية بجاية مكان أبيه وجعل كفالة أمره لابن أبي مهدي مستبدّا عليه واستقامت الأمور على ذلك.
(حركة السلطان الى الزاب)
كنت أنهيت بتأليف الكتاب إلى ارتجاع توزر من أيدي ابن يملول وأنا يومئذ مقيم بتونس، ثم ركبت البحر منتصف أربع وثمانين وسبعمائة إلى بلاد المشرق لقضاء الفرض، ونزلت بالإسكندرية ثم بمصر، ثم صارت أخبار المغرب تبلغنا على ألسنة الواردين، فمن أوّل ما بلغنا وفاة هذا الأمير ابن السلطان ببجاية سنة خمس وثمانين وسبعمائة. ثم بلغنا بعدها حركة السلطان إلى الزاب سنة ست وثمانين وسبعمائة، وذلك أن أحمد بن مزني صاحب بسكرة والزاب لعهده كان مضطرب الطاعة متحيّزا على السلطان وكان يمنع في أكثر السنين المغارم معوّلا على مدافعة العرب الذين هلكوا بضواحي الزاب والتلول دونه، وأكثر وثوقه في ذلك بيعقوب بن عليّ وقومه الزواودة، وقد مرّ طرف من أخباره مثبوتا في أخبار الدولة. وكان ابن يملول قد أوى إلى بلده واتخذ وكرا في جوّه وأجلب على توزر مرارا برأيه ومعونته فاحفظ على ذلك السلطان ونبّه له عزائمه.
ثم نهض سنة ست وثمانين وسبعمائة يريد الزاب بعد أن جمع الجموع واحتشد الجنود واستألف العرب من بني سليم فساروا معه وأوعبوا، ومرّ على فحص تبسه. ثم خرج من طرف جبل أوراس إلى بلد تهودا من أعمال الزاب، واعصوصب الزواودة ومن