وحسن السيرة، وذكر أن فتح سرقوسة كان في أيامه على يد جعفر بن محمد أمير صقلّيّة، وأنه حاصرها تسعة أشهر، وجاءهم المدد من قسطنطينية في البحر فهزمهم. ثم فتح البلد واستباحها. واتفقوا كلهم على أنه ركب البحر من إفريقية إلى صقلّيّة فنزل طرابنة. ثم تحول عنها إلى بليرم ونزل على دمقش وحاصرها سبعة عشر يوما. ثم فتح مسيني وهدم سورها. ثم فتح طرميس آخر شعبان من سنة تسع وثمانين، ووصل ملك الروم بالقسطنطينية ففتحها. ثم بعث حافده زيادة الله ابن ابنه أبي العباس عبد الله إلى قلعة بيقش فافتتحها، وابنه أبو محرز إلى رمطة [١] فأعطوه الجزية. ثم عبر إلى عدوة البحر وسار في برّ الفرنج ودخل قلورية عنوة فقتل وسبى، ورهب منه الفرنجة. ثم رجع إلى صقلّيّة ورغب منه النصارى في قبول الجزية فلم يجب إلى ذلك. ثم سار إلى كنسة فحاصرها واستأمنوا إليه فلم يقبل. ثم هلك وهو محاصر لها آخر تسع وثمانين لثمان وعشرين سنة من إمارته، فولى أهل العسكر عليهم حافده أبا مضر ليحفظ العساكر والأمور، إلى أن يصل ابنه أبو العباس، وهو يومئذ بإفريقية، فأمن أهل كنسة قبل أن يعملوا بموت جدّه، وقبل منهم الجزية، وأقام قليلا حتى تلاحقت به السرايا من النواحي. ثم ارتحل وحمل جدّه إبراهيم فدفنه في بليرم، وقال ابن الأثير: حمله إلى القيروان فدفنه بها.
[(ظهور الشيعي بكتامة)]
وفي أيامه ظهر أبو عبد الله الشيعي بكتامة يدعو للرضا من آل محمد ويبطن الدعوة لعبيد الله المهدي من أبناء إسماعيل الإمام، واتبعه كتامة. وهو من الأسباب التي دعته للتوبة والإقلاع والخروج إلى صقلّيّة. وبعث إليه موسى بن عياش صاحب صلة بالخبر، وبعث إبراهيم رسوله إلى الشيعي بأنكجان يهدده ويحذره فلم يقبل، وأجابه بما يكره. فلما قربت أمور أبي عبد الله وجاء كتاب المعتضد لإبراهيم كما قدمناه أظهر التوبة، ومضى إلى صقلّيّة، وكانت بعده بإفريقية حروب أبي عبد الله الشيعي مع
[١] روطة: اسم أعجمي لقلعة حصينة بجزيرة صقلّيّة بينهما ثمانية أيام، هي بعيدة من البحر فوق جبل وفيها آثار الماء (معجم البلدان) .