للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإعدادها للأعواض إمّا بالتّغلّب بها في البلاد واحتكارها وارتقاب حوالة الأسواق فيها. ويسمّى هذا تجارة. فهذه وجوه المعاش وأصنافه وهي معنى ما ذكره المحقّقون من أهل الأدب والحكمة كالحريريّ وغيره فإنّهم قالوا: «المعاش إمارة وتجارة وفلاحة وصناعة» . فأمّا الإمارة فليست بمذهب طبيعيّ للمعاش فلا حاجة بنا إلى ذكرها وقد تقدّم شيء من أحوال الجبايات السّلطانيّة وأهلها في الفصل الثّاني. وأمّا الفلاحة والصّناعة والتّجارة فهي وجوه طبيعيّة للمعاش أمّا الفلاحة فهي متقدّمة عليها كلّها بالذّات إذ هي بسيطة وطبيعيّة فطريّة لا تحتاج إلى نظر ولا علم ولهذا تنسب في الخليقة إلى آدم أبي البشر وأنّه معلّمها والقائم عليها إشارة إلى أنّها أقدم وجوه المعاش وأنسبها إلى الطّبيعة. وأمّا الصّنائع فهي ثانيتها ومتأخّرة عنها لأنّها مركّبة وعلميّة تصرف فيها الأفكار والأنظار ولهذا لا يوجد غالبا إلّا في أهل الحضر الّذي هو متأخّر عن البدو وثان عنه. ومن هذا المعنى نسبت إلى إدريس الأب الثّاني للخليقة فإنّه مستنبطها لمن بعده من البشر بالوحي من الله تعالى. وأمّا التّجارة وإن كانت طبيعة في الكسب فالأكثر من طرقها ومذاهبها إنّما هي تحيّلات في الحصول على ما بين القيمتين في الشّراء والبيع لتحصل فائدة الكسب من تلك الفضلة. ولذلك أباح الشّرع فيه المكاسبة [١] لما أنّه من باب المقامرة إلّا أنّه ليس أخذ المال الغير مجّانا فلهذا اختصّ بالمشروعيّة. والله أعلم.

[الفصل الثالث في أن الخدمة ليست من الطبيعي]

اعلم أنّ السّلطان لا بدّ له من اتّخاذ الخدمة في سائر أبواب الإمارة والملك الّذي هو بسبيله من الجنديّ والشّرطيّ والكاتب. ويستكفي في كلّ باب بمن


[١] وفي النسخة الباريسية: المكايسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>