القالي البغداديّ. وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها. وكتب المحدثين في ذلك كثيرة. وكان الغناء في الصّدر الأوّل من أجزاء هذا الفنّ لما هو تابع للشّعر إذ الغناء إنّما هو تلحينه. وكان الكتّاب والفضلاء من الخواصّ في الدّولة العباسيّة يأخذون أنفسهم به حرصا على تحصيل أساليب الشّعر وفنونه فلم يكن انتحاله قادحا في العدالة والمروءة. وقد ألّف القاضي أبو الفرج الأصبهانيّ كتابه في الأغاني جمع فيه أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيّامهم ودولهم. وجعل مبناه على الغناء في المائة صوتا الّتي اختارها المغنّون للرّشيد فاستوعب فيه ذلك أتمّ استيعاب وأوفاه. ولعمري إنّه ديوان العرب وجامع أشتات المحاسن الّتي سلفت لهم في كلّ فن من فنون الشّعر والتّأريخ والغناء وسائر الأحوال ولا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه وهو الغاية الّتي يسمو إليها الأديب ويقف عندها وأنّى له بها. ونحن الآن نرجع بالتّحقيق على الإجمال فيما تكلّمنا عليه من علوم اللّسان.
والله الهادي للصّواب.
[الفصل السادس والأربعون في أن اللغة ملكة صناعية]
اعلم أنّ اللّغات كلّها ملكات شبيهة بالصّناعة إذ هي ملكات في اللّسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها. وليس ذلك بالنّظر إلى المفردات وإنّما هو بالنّظر إلى التّراكيب. فإذا حصلت الملكة التّامّة في تركيب الألفاظ المفردة للتّعبير بها عن المعاني المقصودة ومراعاة التّأليف الّذي يطبّق الكلام على مقتضى الحال بلغ المتكلّم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسّامع وهذا هو معنى البلاغة. والملكات لا تحصل إلّا بتكرار الأفعال لأنّ الفعل يقع أوّلا وتعود منه للذّات صفة ثمّ تتكرّر فتكون حالا. ومعنى الحال