أحاطوا ببغداد وصاروا ولاة متعدّدة يفرد كل واحد منهم بالذكر وسياقة الخبر إلى آخرها. وكان من أقرب المستبدّين إلى مقر الخلافة بنو بويه بأصبهان وفارس، ومعزّ الدولة منهم بالأهواز. وقد تغلّب على واسط، ثم انتزعت منه. وبنو حمدان بالموصل والجزيرة، وقد تغلب على هيت وصارت تحت ملكهم، ولم يبق للخلفاء إلّا بغداد ونواحيها ما بين دجلة والفرات وأمراؤهم مع ذلك مستبدّون عليهم، ويسمّون القائم بدولتهم أمير الأمراء كما مرّ في أخبارهم إلى أن انتهى ذلك إلى دولة المتّقي والقائم بها ابن شيرزاد. وولي على واسط ينال كوشه كما قلنا فانحرف عن ابن شيرزاد وكاتب معزّ الدولة، وقام بدعوته في واسط واستدعاه لملك بغداد. فزحف في عساكر الديلم إليها ولقيه ابن شيرزاد والأتراك وهربوا إلى ابن حمدان بالموصل، واختفى المستكفي وقدّم معزّ الدولة كاتبه الحسن بن محمد المهلّبيّ إلى بغداد، فدخلها وظهر الخليفة، فظهر عنده المهلبيّ وجدّد له البيعة عن معزّ الدولة أحمد بن بويه، وعن أخويه عماد الدولة عليّ وركن الدولة الحسن. وولّاهم المستكفي على أعمالهم ولقبهم بهذه الألقاب ورسمها على سكّته. ثم جاءه معزّ الدولة إلى بغداد وملكها، وصرف الخليفة في حكمه، واختصّ باسم السلطان. فبقيت أخبار الدولة إنما تؤثر عنهم، وإن كان منها ما يختص بالخليفة فقليل. فلذلك صارت أخبار هؤلاء الخلفاء منذ المستكفي إلى المتّقي مندرجة في أخبار بني بويه والسلجوقيّة من بعدهم لعطلهم من التصرّف إلا قليلا يختصّ بالخلفاء نحن ذاكروه ونرجئ بقية أخبارهم إلى أخبار الديلم والسلجوقيّة الغالبين على الدولة عند ما نفرد دولتهم كما شرطناه.
[الخبر عن الخلفاء من بني العباس المغلبين لدولة بني بويه من السلجوقية من بعدهم من لدن المستكفي إلى المتقي وما لهم من الأحوال الخاصة بهم ببغداد ونواحيها]
لما دخل معزّ الدولة بن بويه إلى بغداد غلب على المستكفي وبقي في كفالته، وكان المستكفي في سنة ثلاث وثلاثين قبلها قبض على كاتبه أبي عبد الله بن أبي سليمان، وعلى أخيه، واستكتب أبا أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي في خاص أمره،