للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل بيته يلبسون الحرير والدّيباج ويتحلّون بالذّهب في السّلاح والمراكب ويحتجبون عن النّاس في المجالس والصّلوات فلا يمكنه مخالفة سلفه في ذلك إلى الخشونة في اللّباس والزّيّ والاختلاط بالنّاس إذ العوائد حينئذ تمنعه وتقبّح عليه مرتكبه ولو فعله لرمي بالجنون والوسواس في الخروج عن العوائد دفعة، وخشي عليه عائدة ذلك وعاقبته في سلطانه وانظر شأن الأنبياء في إنكار العوائد ومخالفتها لولا التّأييد الإلهيّ والنّصر السّماويّ وربّما تكون العصبيّة قد ذهبت فتكون الأبّهة تعوّض عن موقعها من النّفوس فإذا أزيلت تلك الأبّهة مع ضعف العصبيّة تجاسرت الرّعايا على الدّولة بذهاب أوهام الأبّهة فتتدرّع الدّولة بتلك الأبّهة ما أمكنها حتّى ينقضي الأمر وربّما يحدث عند آخر الدّولة قوّة توهم أنّ الهرم قد ارتفع عنها ويومض ذبالها إيماضة الخمود كما يقع في الذّبال المشتعل فإنّه عند مقاربة انطفائه يومض إيماضة توهم أنّها اشتعال وهي انطفاء فاعتبر ذلك ولا تغفل سرّ الله تعالى وحكمته في اطّراد وجوده على ما قدّر فيه «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ١٣: ٣٨» .

[الفصل السابع والأربعون في كيفية طروق الخلل للدولة]

اعلم أنّ مبنى الملك على أساسين لا بدّ منهما فالأوّل الشّوكة والعصبيّة وهو المعبّر عنه بالجند والثّاني المال الّذي هو قوام أولئك الجند وإقامة ما يحتاج إليه الملك من الأحوال. والخلل إذا طرق الدّولة طرقها في هذين الأساسين فلنذكر أوّلا طروق الخلل في الشّوكة والعصبيّة ثمّ نرجع إلى طروقه في المال والجباية.

واعلم أنّ تمهيد الدّولة وتأسيسها كما قلناه إنّما يكون بالعصبيّة وأنّه لا بدّ من عصبيّة كبرى جامعة للعصائب مستتبعة لها وهي عصبيّة صاحب الدّولة الخاصّة من عشيرة وقبيلة فإذا جاءت الدّولة طبيعة الملك من التّرف وجدع أنوف أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>