للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدرك كان، ويعنون به هذا القدر الّذي أوضحناه. وهذه نبذة أومأنا بها إلى ما يوضح القول في المتشابه. ولو أوسعنا الكلام فيه لقصرت المدارك عنه.

فلنفزع إلى الله سبحانه في الهداية والفهم عن أنبيائه وكتابه، بما يحصل به الحقّ في توحيدنا، والظفر بنجاتنا وَالله يَهْدِي من يَشاءُ ٢: ٢١٣.

الفصل السابع عشر في علم التصوّف

هذا العلم من العلوم الشّرعيّة الحادثة في الملّة وأصله أنّ طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمّة وكبارها من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم طريقة الحقّ والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدّنيا وزينتها، والزّهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذّة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عامّا في الصّحابة والسّلف. فلمّا فشا الإقبال على الدّنيا في القرن الثّاني وما بعده وجنح النّاس إلى مخالطة الدّنيا اختصّ المقبلون على العبادة باسم الصّوفيّة والمتصوّفة. وقال القشيريّ رحمه الله:

ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربيّة ولا قياس. والظّاهر أنّه لقب. ومن قال اشتقاقه من الصّفاء أو من الصّفة فبعيد من جهة القياس اللّغويّ، قال: وكذلك من الصّوف لأنّهم لم يختصّوا بلبسه. قلت: والأظهر إن قيل بالاشتقاق أنّه من الصّوف وهم في الغالب مختصّون بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة النّاس في لبس فاخر الثّياب إلى لبس الصّوف فلمّا اختصّ هؤلاء بمذهب الزّهد والانفراد عن الخلق والإقبال على العبادة اختصّوا بمآخذ مدركة لهم وذلك أنّ الإنسان بما هو إنسان إنّما يتميّز عن سائر الحيوان بالإدراك وإدراكه نوعان: إدراك للعلوم والمعارف من اليقين والظّنّ والشّكّ والوهم وإدراك للأحوال القائمة من الفرح والحزن والقبض

<<  <  ج: ص:  >  >>