للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاجب. وباكر ابن غمر مقعدة بباب دار السلطان فوجد شلوه ملقى في الطريق مضرّجا في ثيابه، وأخبر أنّ السلطان سطا به فداخله الريب من استبداد السلطان وإرهاف حدّه، وخشي بوادره، وتوقّع سعاية البطانة وأهل الخلوة. فتحيّل في بعده عنه واستبداده بالثغر دونه فأغراه بطلب إفريقية من يد ابن اللحياني، وجهّزه بما يصلح من الآله والفساطيط والعساكر والخدام، ورتّب له المراتب. وارتحل السلطان إلى قسنطينة سنة خمس عشرة وسبعمائة ثم تقدّم غازيا إلى بلاد هوّارة، وأجفل عنها ظافرا بهم [١] وكان قائدها من مواليهم. فاستوفى جباية هوّارة، وقفل إلى قسنطينة سنة ست عشرة وسبعمائة واستبدّ ابن غمر ببجاية ومدافعة العدوّ من زناتة عنها.

واستخلف على حجابة السلطان محمد بن قالون، وقرّت عينه بما كان يؤمّل من استبداده إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.

(الخبر عن سفر السلطان أبي يحيى اللحياني الى قابس وتجافيه عن الخلافة)

كان هذا السلطان أبو يحيى اللحياني قد طعن في السنّ، وكان بصيرا بالسياسة مجرّبا للأمور، وكان يرى من نفسه العجز عن حمل الخلافة واستحقاقها مع أبناء الأمير أبي زكريا الأكبر. وعلم مع ذلك استفحال صاحب الثغور الغربية الأمير أبي بكر واستغلاظ أمره بمن انتظم في ملكه [٢] ، وارتسم في ديوان جنده من أعياص زناتة وفحول شولهم من توجين ومغراوة وبني عبد الواد وبني مرين. كانوا يفزعون إليه مع الأيام عن ملوكهم خشية على أنفسهم، لما قاسموهم في النسب وساهموهم في يعسوبيّة القبيل وفحوليّة الشول، ومنهم من غلبوا على مواطنهم فملكوها عليهم مثل مغراوة وبني نوجين وملكيش، فاستكشف بذلك جند السلطان وكثرت جموعه وهابه الملوك.

ونهض سنة ست عشرة وسبعمائة إلى إفريقية وجال في بلاد هوّارة وأخذ جبايتها كما ذكرنا، فتوقّع السلطان ابن اللحياني زحفه إليه بتونس. وكانت إفريقية مضطربة عليه، وكان تعويله في الحامية والمدافعة على أوليائه من العرب، تولى منهم حمزة بن


[١] وفي النسخة الباريسية ثم. وفي نسخة أخرى. وأجفل عنها ظافرا ممن تعاطى قائدها من مواليهم.
[٢] وفي النسخة الباريسية: في جملته.

<<  <  ج: ص:  >  >>