مكان ونزلوا بصور ومدد الرجال والأقوات والأسلحة متداركة لهم في كل وقت واتفقوا على الرحيل إلى عكا ومحاصرتها فخرجوا ثامن رجب من سنة خمس وثمانين وسلكوا على طريق الساحل وأساطيلهم تحاذيهم في البحر ومسلحة المسلمين تتخطفهم من جوانبهم حتى وصلوا إلى عكا منتصف رجب وكان رأي صلاح الدين أن يحاذيهم في مسيرهم لينال منهم فخالفه أصحابه واعتذروا بضيق الطريق ووعره فسلك طريقا آخر ووافاهم على عكا وقد نزلوا عليها وأحاطوا بها من البحر إلى البحر فليس للمسلمين إليها طريق ونزل صلاح الدين قبالتهم وبعث إلى الأطراف يستنفر الناس فجاءت عساكر الموصل وديار بكر وسنجار وسائر بلاد الجزيرة وجاء تقي الدين ابن أخيه من حماة ومظفر الدين كوكبري من حران والرها وكان أمداد المسلمين تصل في البرّ وإمداد الإفرنج في البحر وهم محصورون في صور محاصرين وكانت بينهم أيام مذكورة ووقائع مشهورة واقام السلطان بقية رجب لم يقاتلهم فلما استهل شعبان قاتلهم يوما بكاملة وبات الناس على تعبية ثم صبحهم بالقتال ونزل الصبر وحمل عليهم تقي الدين ابن أخيه منتصف النهار من الميمنة حملة أزالتهم عن مواقفهم وملك مكانهم واتصل بالبلد فدخلها المسلمون وشحنها صلاح الدين بالمدد من كل شيء وبعث إليهم الأمير حسام الدين أبا الهيجاء السمين من أكابر أمرائه من الأكراد الخطية من أربل ثم نهض المسلمون من الغد فوجدوا الإفرنج قد أداروا عليهم خندقا يمتنعون به ومنعوهم القتال يومهم وأقاموا كذلك ومع السلطان أحياء من العرب فكمنوا في معاطف النهر من ناحية الإفرنج على الساحل للخطف منهم وكبسوهم منتصف شعبان وقتلوهم وجاءوا برءوسهم إلى صلاح الدين فأحسن إليهم والله تعالى أعلم.
[الواقعة على عكا]
كان صلاح الدين قد بعث عن عسكر مصر وبلغ الخبر الإفرنج فأرادوا معاجلته قبل وصولهم وكانت عساكره متفرقة في المسالح على الجهات فمسلحة تقابل انطاكية وسمند من أعمال حلب ومسلحة بحمص تحفظها من أهل طرابلس ومسلحة تقابل صور ومسلحة بدمياط والإسكندرية واعتزم الإفرنج على مهاجمتهم بالقتال ولم يشعروا بهم وصحبوهم لعشرين من شعبان وركب صلاح الدين وعبأ عساكره وقصدوا الميمنة وعليها تقي الدين ابن أخيه فتزحزح بعض الشيء وأمده صلاح الدين بالرجال من عنده فحطوا على صلاح الدين في القلب فتضعضع واستشهد جماعة منهم الأمير علي بن مردان والظهير أخو الفقيه عيسى والي