الكاتب والقاضي العويدس وابن كامل وداعي الدعاة وجماعة من الجند وحاشية القصر اتفقوا على استدعاء الإفرنج من صقلّيّة وسواحل الشام وبذلوا لهم الأموال على أن يقصدوا مصرفان خرج صلاح الدين للقائهم بالعساكر ثار هؤلاء بالقاهرة وأعادوا الدولة العبيدية وإلا فلا بدّ له إن أقام من بعث عساكره لمدافعة الإفرنج فينفردون به ويقبضون عليه وواطأهم على ذلك جماعة من أمراء صلاح الدين وتحينوا لذلك غيبة أخيه توران شاه باليمن وثقوا بأنفسهم وصدقوا توهماتهم ورتبوا وظائف الدولة وخططها وتنازع في الوزارة بنو رزيك وبنو شاور وكان على بن نجيّ الواعظ ممن داخلهم في ذلك فأطلع صلاح الدين هو في الباطن إليهم ونمى الخبر إلى صلاح الدين من عيونه ببلاد الإفرنج فوضع على الرسول عنده عيونا جاءوه بحلية خبره فقبض حينئذ عليهم وقيل إنّ علي بن نجيّ أنمى خبرهم إلى القاضي فأوصله إلى صلاح الدين ولما قبض عليهم صلاح الدين أمر بصلبهم ومرّ عمارة ببيت القاضي وطلب لقاءه فلم يسعفه وأنشد البيت المشهور
عبد الرحيم قد احتجب ... أنّ الخلاص هو العجب
ثم صلبوا جميعا ونودي في شيعة العلويين بالخروج من ديار مصر إلى الصعيد واحتيط على سلالة العاضد بالقصر وجاء الافرنج على ذلك من صقلّيّة إلى الإسكندرية كما يأتي خبره إن شاء الله تعالى والله أعلم.
وصول الإفرنج من صقلّيّة إلى الإسكندرية
لما وصلت رسل هؤلاء الشيعة إلى الإفرنج بصقلية تجهزوا وبعثوا مراكبهم مائتي أسطول للمقاتلة فيها خمسون ألف رجل وألفان وخمسمائة فارس وثلاثون مركبا للخيول وستة مراكب لآلة الحرب وأربعون للازواد وتقدّم عليهم ابن عمّ الملك صاحب صقلّيّة ووصلوا إلى ساحل الإسكندرية سنة سبعين وركب أهل البلد الأسوار وقاتلهم الإفرنج ونصبوا الآلات عليها وطار الخبر إلى صلاح الدين بمصر ووصلت الأمراء إلى الإسكندرية من كل جانب من نواحيها وخرجوا في اليوم الثالث فقاتلوا الإفرنج فظفروا عليهم ثم جاءهم البشير آخر النهار بمجيء صلاح الدين فاهتاجوا للحرب وخرجوا عند اختلاط الظلام فكبسوا الإفرنج في خيامهم بالسواحل وتبادروا إلى ركوب البحر فتقسموا بين القتل والغرق ولم ينج إلا القليل واعتصم منهم نحو من ثلاثمائة برأس رابية هنالك إلى أن أصبحوا فقتل بعضهم وأسر الباقون وأقلعوا بأساطيلهم راجعين والله تعالى أعلم