قد ذكرنا تأكد الوحشة بين البساسيري ورئيس الرؤساء. ثم تأكدت سنة سبع وأربعين وعظمت الفتنة بالجانب الشرقي بين العامّة وبين أهل السنّة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحضروا الديوان حتى أذن لهم في ذلك وتعرّضوا لبعض سفن البساسيري منحدرة إليه بواسط، وكشفوا فيها عن جرار خمر، فجاءوا إلى أصحاب الديوان الذين أمروا بمساعدتهم واستدعوهم لكسرها فكسروها، واستوحش لذلك البساسيري ونسبه إلى رئيس الرؤساء. واستفتى الفقهاء في أنّ ذلك تعدّ على سفينته فأفتاه الحنفية بذلك. ووضع رئيس الرؤساء الأعيان على البساسيري بإذن من دار الخلافة، وأظهر معايبه. وبالغوا في ذلك، ثم قصدوا في رمضان دور البساسيري بإذن من دار الخلافة فنهبوها وأحرقوها، ووكّلوا بحرمة وحاشيته وأعلن رئيس الرؤساء بذمّ البساسيري وأنه يكاتب المستنصر صاحب مصر فبعث القائم إلى الملك الرحيم فأمره بإبعاده فأبعده.
[استيلاء السلطان طغرلبك على بغداد والخلعة والخطبة له]
قد ذكرنا من قبل رجوع السلطان طغرلبك من غزو الروم إلى الريّ، ثم رجع إلى همذان، ثم سار إلى حلوان عازما على الحجّ والاجتياز بالشام لإزالته من يد العلوية.
وأجفل الناس إلى غربيّ بغداد، وعظم الإرجاف ببغداد ونواحيها، وخيّم الأتراك بظاهر البلد. وجاء الملك الرحيم من واسط بعد أن طرد البساسيري عنه كما أمره القائم فسار إلى بلد دبيس بن مزيد لصهر بينهما. وبعث طغرلبك إلى لقائهما بالطاعة وإلى الأتراك بالمقاربة والوعد فلم يقبلوا، وطلبوا من القائم إعادة البساسيري لأنه كبيرهم. ولما وصل الملك الرحيم سأل من الخليفة إصلاح أمره مع السلطان طغرلبك فأشار القائم بأن يقوّض الأجناد خيامهم ويخيّموا بالحريم الخلافي، ويبعثوا جميعا إلى طغرلبك بالطاعة، فقبلوا إشارته وبعثوا إلى طغرلبك بذلك فأجاب بالقبول والإحسان. وأمر القائم بالخطبة لطغرلبك على منابر بغداد فخطب آخر رمضان من سنة سبع وأربعين، واستأذن في لقاء الخليفة وخرج إليه رؤساء الناس في موكب من القضاة