وفي سنة خمس وسبعين وستمائة من بعدها أهدى له محمد بن عبد القوي أمير بني توجين، وصاحب جبل وانشريش أربعة من الجياد انتقاها من خيل المغرب كافة، ورأى أنها على قلّة عددها أحفل هدية. وفي نفسه أثناء هذا كله من الجهاد شغل شاغل يتخطى إليه سائر أعماله حسبما نذكر.
[(الخبر عن إجازة أمير المسلمين ثانية وما كان فيها من الغزوات)]
لما قفل أمير المسلمين من غزاته الأولى، واستنزل الخوارج وثقف الثغور، وهادي الملوك واختط المدينة لنزله كما ذكرنا ذلك كله. ثم خرج فاتح سنة ست وسبعين وستمائة إلى جهة مراكش لسدّ ثغوره، وتثقيف أطرافه. وتوغّل في أرض السوس، وبعث وزيره فتح الله السدراتي بالعساكر فجاس خلاله، ثم انكفأ راجعا. وخاطب قبائل المغرب كافة بالنفير إلى الجهاد، فتباطئوا واستمرّ على تحريضهم، ونهض إلى رباط الفتح وتلوم بها في انتظار الغزاة فثبطوا، فخفّ هو واحتل بطريف آخر محرم.
ثم ارتحل إلى الجزيرة، ثم إلى رندة. ووافاه هنالك الرئيسان أبو إسحاق بن أشقيلولة صاحب قمارش، وأبو محمد صاحب مالقة للغزو معه. وارتحلوا إلى منازلة إشبيليّة فعرسوا عليها يوم المولد النبوي. وكان بها ملك الجلالقة ابن أدفونش، فخام عن اللقاء وبرز إلى ساحة البلد محاميا عن أهلها. ورتّب أمير المسلمين مصافه وجعل ولده الأمير أبا يعقوب في المقدّمة، وزحف في التعبية فأحجروا العدو في البلد، واقتحموا أثرهم الوادي وأثخنوا فيهم. وباتت العساكر ليلتهم يجادون في متون الخيل وقد أضرموا النيران بساحتها. وارتحل من الغد إلى أرض الشرط، وبثّ السرايا والغوازي في سائر النواحي. وأناخ بجمهور العسكر عليها، فلم يزل يتقرّى تلك الجهات حتى أباد عمرانها وطمس معالمها. ودخل حصن قطيانة وحصن جليانة وحصن القليعة عنوة، وأثخن في القتل والسبي. ثم ارتحل بالغنائم والأثقال [١] إلى الجزيرة لسرار شهره، فأراح وقسّم الغنائم في المجاهدين. ثم خرج غازيا إلى شريش منتصف ربيع الآخر