لما انخلع الواثق عن الأمر وتحوّل إلى دار الأقوري فأقام بها أياما. وكان له ثلاثة من الولد أصاغر: الفضل والطاهر، والطيب، فكانوا معه. ثم نمي عنه للسلطان أبي إسحاق أنه يروم الثورة وأنه داخل في ذلك بعض رؤساء النصارى من الجند، فأقلق مكان ترشيحه واعتقله بمكان اعتقال بنيه، وهو من القصبة أيام أخيه المستنصر. ثم بعث إليهم ليلتهم فذبحوا جميعا في شهر صفر سنة تسع وسبعين وستمائة واستوثق له الأمر وأطلق من عنان الإمارة لولده إلى أن كان من شأنهم ما يذكر إن شاء الله تعالى.
[(الخبر عن ولاية الأمير أبي فارس ابن السلطان أبي إسحاق على بجاية بعهد أبيه والسبب في ذلك)]
كان للسلطان أبي إسحاق من الأبناء خمسة: أبو فارس عبد العزيز وكان أكبرهم، وأبو محمد عبد الواحد، وأبو زكريا يحيى، وخالد، وعمر، وكان السلطان المستنصر قد حبسهم عند فرار أبيهم إلى رياح في أيامه ببعض حجر القصر، وأجرى عليهم رزقا فنشئوا في ظل كفالته وجميم رزقه، إلى أن استولى أبوهم السلطان أبو إسحاق على الملك فطلعوا بآفاقه. وطالت فروعهم في دوحه، واشتملوا على العز واصطنعوا أهل السوابق من الرجال، وأرخى السلطان لهم ظلهم في ذلك. وكان المجلّي فيها كبيرهم أبو فارس لما كان مرشّحا لولاية العهد، وكان ممن اصطنعه وألقى عليه رداء محبته في الناس وعنايته أحمد بن أبي بكر بن سيد الناس اليعمري، وأخوه أبو الحسين لسابقة رعاها لهما، وذلك أنّ أباهما أبا بكر بن سيد الناس، كان من بيوت إشبيليّة حافظا للحديث راوية له، ظاهريّا في فقهه على مذهب داود وأصحابه. وكانت لأهل إشبيليّة خصوصا من بين الأندلس وصلة بالأمير أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص وبنيه، منذ ولايته غرب الأندلس.