المسلمون ومحصهم الله. ثم أغزاهم ثانية وخامت أساطيل العدو عن اللقاء، وصاعدوا عن الزقاق. وملكته أساطيل السلطان فأجاز أخريات رمضان واحتلّ بطريف. ثم دخل دار الحرب غازيا، فنازل حصن بجير ثلاثة أشهر، وضيّق عليهم. وبثّ السرايا في أرض العدو، وردّد الغارات على شريش وإشبيلية ونواحيها إلى أن بلغ في النكاية والإثخان. وقضى من الجهاد وطرا، وزاحمه فصل الشتاء وانقطاع الميرة عن العسكر، فأفرج عن الحصن ورجع إلى الجزيرة. ثم أجاز إلى المغرب فاتح إحدى وتسعين وستمائة فتظاهر ابن الأحمر والطاغية على منعه كما نذكره إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
[(الخبر عن انتقاض ابن الأحمر ومظاهرته للطاغية على طريف أعادها الله للمسلمين)]
لما قفل السلطان من غزاتة فاتح إحدى وتسعين وستمائة كما ذكرناه، وقد أبلغ في نكاية العدوّ وأثخن في بلاده، فأهمّ الطاغية أمره، وثقلت عليه وطأته، والتمس الوليجة من دونه. وحذّر ابن الأحمر غائلته، ورأى أنّ مغبّة حاله الاستيلاء على الأندلس وغلبه على أمره، ففاوض الطاغية وخلصوا نجيّا. وتحدّثوا أنّ استمكانه من الإجازة إليهم إنّما هو لقرب مسافة بحر الزقاق، وانتظام ثغور المسلمين حفافيه لتصرف شوانيهم وسفنهم متى أرادوا فضلا عن الأساطيل وأن أمّ تلك الثغور طريف، وأنهم إذا استمكنوا منها كانت ربيئة لهم على بحر الزقاق. وكان أسطولهم بمرقاها بمرصد الأساطيل صاحب المغرب الخائضين لجّة ذلك البحر، فاعتزم الطاغية على منازلة طريف. وزعم له ابن الأحمر بمظاهرته على ذلك، وشرط له المدد والميرة لأقوات العسكر أيام منازلتها، على أن تكون له إن خلصت. وتعاونوا على ذلك وأناخ الطاغية بعساكر النصرانية على طريف. وألحّ عليها بالقتال ونصب الآلات وانقطع عنها المدد والميرة. واحتلت أساطيله ببحر الزقاق، فحالفوا دون الصريخ من السلطان وإخوانهم المسلمين. وضرب ابن الأحمر معسكره بمالقة قريبا منه، وسرّب إليه المدد من السلاح والرجال والميرة من الأقوات، وبعث عسكرا لمنازلة حصن أصطبونة، وتغلّب عليه بعد مدة من الحصار. واتصلت هذه الحال أربعة أشهر حتى أصاب