دبيس نهر الملك من خاص الخليفة ونودي في بغداد بالنفير فلم يتخلّف أحد، وفرّقت فيهم الأموال والسلاح وعسكر المسترشد خارج بغداد في عشر ذي الحجة، وبرز لأربع بعدها وعبر دجلة وعليه قباء أسود وعمامة سوداء، وعلى كتفه البردة وفي يده القضيب وفي وسطه منقطة حديد صيني، ووزيره معه نظام الدين ونقيب الطالبيّين ونقيب النقباء علي بن طراد، وشيخ الشيوخ صدر الدين إسماعيل وغيرهم. فنزل بخيمة، وبلغ البرسقي خروجه فعاد بعسكره إليه. ونزل المسترشد بالحديثة بنهر الملك واستحلف البرسقي والأمراء على المناصحة، وسار فنزل المباركة، وعبّى البرسقي أصحابه للحرب ووقف المسترشد وراء العسكر في خاصته، وعبّى دبيس أصحابه صفّا واحدا وبين يديهم الإماء تعزف وأصحاب الملاهي، وعسكر الخليفة تتجاذب القراءة والتسبيح مع جنباته، ومع أعلامه كرباوي بن خراسان وفي الساقة سليمان بن مهارش وفي ميمنة البرسقي أبو بكر بن إلياس مع الأمراء البلخية، فحمل عنتر بن أبي العسكر من عسكر دبيس على ميمنة البرسقي فدحرجها وقتل ابن أخي أبي بكر.
ثم حمل ثانية كذلك فحمل عماد الدين زنكي بن آق سنقر في عسكر واسط على عنتر بن أبي العسكر فأسره ومن معه. وكان من عسكر المسترشد كمين متوار، فلما التحم الناس خرج الكمين واشتدّ الحرب وجرّد المسترشد سيفه وكبّر وتقدّم فانهزمت عساكر دبيس، وجيء بالأسرى فقتلوا بين يدي الخليفة وسبي نساؤهم، ورجع الخليفة إلى بغداد في عاشوراء من سنة سبع عشرة. وذهب دبيس وخفي أثره قصد غزية من العرب فأبوا من ذلك إيثارا لرضا المسترشد والسلطان، فسار إلى المشقر من البحرين فأجابوه وسار بهم إلى البصرة فنهبوها وقتلوا أميرها، وتقدّم المسترشد للبرسقي بالانحدار إليه بعد أن عنّفه على غفلته عنه، وسمع دبيس ففارق البصرة، وبعث البرسقي عليها زنكي بن آق سنقر فأحسن حمايتها وطرد العرب عن نواحيها، ولحق دبيس بالفرنج في جعبر وحاصر معهم حلب فلم يظفروا وأقلعوا عنها سنة ثمان عشرة، فلحق دبيس بطغرل ابن السلطان محمد وأغراه بالمسترشد وبملك العراق كما نذكر.
[ولاية برتقش شحنة بغداد]
ثم إنّ المسترشد وقعت بينه وبين البرسقي منافرة فكتب إلى السلطان محمود في عزله عن العراق، وإبعاده إلى الموصل فأجابه إلى ذلك، وأرسل إلى البرسقي بالمسير إلى الموصل لجهاد الإفرنج، وبعث إليه بابن صغير من أولاده يكون معه وولّى على شحنة بغداد برتقش