تونس فاسترجعها، ثم نازل المهديّة فتعاونت عليه ذئاب الأعراب. وجمعهم ابن غانية ونزل قابس فسرّح الناصر، اليهم أبا محمد عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص في عسكر من الموحدين، فأوقع بابن غانية بتاجرا من نواحي قابس سنة اثنتين وستمائة، وقتل جبارة أخو ابن غانية، وأثخن فيهم قتلا وسبيا، واستبعد منهم السيد أبا زيد بن يوسف بن عبد المؤمن الوالي كان بتونس، وأسره ابن غانية ورجع إلى الناصر بمكانه من حصار المهدية. فكان سببا في فتحها. وكان ذلك مما حمل الناصر على ولاية الشيخ أبي محمد بإفريقية حسبما يذكر إن شاء الله تعالى.
[(الخبر عن إمارة أبي محمد بن الشيخ أبي حفص بإفريقية وهي أولية أمرهم بها)]
لمّا تكالب ابن غانية واتباعه على إفريقية واستولى على أمصارها، وحاصر تونس وملكها، وأسر السيد أبا زيد أميرها، ونهض الناصر من المغرب سنة إحدى وستمائة كما ذكرناه فاسترجعها من أيديهم وشرّدهم عن نواحيها. وخيم على المهديّة يحاصرها، وقد أنزل ابن غانية ذخيرته وولده بها وأجلب في جموعه خلال ذلك على قابس، فسرّح الناصر إليه الشيخ أبا محمد هذا في عساكر الموحدين. وزحف إليهم بتاجرا من جهات قابس فهزمهم واستولى على معسكرهم وما كان بأيديهم، وأثخن فيهم بالقتل والسبي واستنفذ السيد أبا زيد من أسرهم، ورجع إلى الناصر بمعسكره من حصار المهديّة ظافرا ظاهرا. وعاين أهل المدينة يوم هزمه بالغنائم والأسرى فبهتوا وسقط في أيديهم، وسألوا النزول على الأمان. وكمل فتح المهديّة ورجع الناصر إلى تونس فأقام.
بها حولا إلى منتصف سنة ثلاث وستمائة. وسرّح أثناء ذلك أخاه السيد أبا إسحاق ليتتبّع المفسدين، ويمحو مواقع عيثهم، فدوّخ ما وراء طرابلس، وأثخن في بني دمّر ومطماطة ونفوسه، وشارف أرض سرت وبرقة، وانتهى إلى سويقة ابن مذكور. وفرّ ابن غانية إلى صحراء برقة وانقطع خبره. وانكفأ السيد راجعا إلى تونس. واعتزم الناصر على الرحلة إلى المغرب وقد أفاء على إفريقية ظلّ الرضى [١] وضرب عليهم