وأشار بقتل يصلاتي الهرغي رأس المخالفين في شأنه فقتله، وتمّ أمر العهد لابنه محمد. ولما اعتزم عبد المؤمن على الرحلة إلى إفريقية سنة أربع وخمسين وخمسمائة وحركة الثانية لفتح المهديّة استخلف الشيخ أبا حفص على المغرب، وينقل من وصاة عبد المؤمن على الرحلة إلى إفريقية لبنيه أنه لم يبق من أصحاب الإمام إلّا عمر بن يحيى ويوسف بن سليمان، فأما عمر فإنه من أوليائكم، وأما يوسف فجهزه بعسكره إلى الأندلس تستريح منه. وكذلك فافعل بكل من تكرهه من المصامدة. وأما ابن مردنيش فأتركه ما تركك وتربّص به ريب المنون، وأخل إفريقية من العرب وأجلهم إلى بلاد المغرب، وأدّخرهم لحرب ابن مردنيش إن احتجت إلى ذلك.
ولما ولي يوسف بن عبد المؤمن تخلّف الشيخ أبو حفص عن بيعته، ووجم الموحّدون لتخلّفه حتى استنبل غرضه في حكم أمضاه بمقعد سلطانه، وأعجب بفضله وأعطاه صفقة يمينه، وأعلن بالرضا بخلافته فكانت عند يوسف وقومه من أعظم البشائر، وتسمّى بأمير المؤمنين سنة ثلاث وستين وخمسمائة. ولما ولي يوسف بن عبد المؤمن وتحرّكت الفتنة بجبال غمارة وصنهاجة التي تولى كبرها سبع بن منقفاد سنة اثنتين وستين وخمسمائة عقد للشيخ أبي حفص على حربهم فجلى في ذلك. ثم خرج بنفسه فأثخن فيهم وكمل الفتح كما ذكرناه. ولمّا بلغه سنة أربع وستين وخمسمائة تكالب الطاغية على الأندلس وغدره بمدينة بطليوس، واعتزم على الإجازة لحمايتها قدم عساكر الموحدين إليها لنظر الشيخ أبي حفص، ونزل قرطبة وأمر من كان بالأندلس من السادة أن يرجعوا إلى رأيه، فاستنفذ بطليوس من هذا الحصار، وكانت له في الجهاد هنالك مقامات مشهورة. ولما انصرف من قرطبة إلى الحضرة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة هلك عفا الله عنه في طريقه بسلا ودفن بها، وكان ابناؤه من بعده يتداولون الإمارة بالأندلس والمغرب وإفريقية مع السادة من بني عبد المؤمن، فولّى المنصور ابنه أبا سعيد على إفريقية لأوّل ولايته، وكان من خبره مع عبد الكريم المنتزي بالمهديّة ما ذكرناه في أخباره. واستوزر أبا يحيى بن أبي محمد بن عبد الواحد، وكان في مقدّمته يوم المعركة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة فجلى عن المسلمين، وكان له في ذلك الموقف من النصرة والثبات ما طار له به ذكر. واستشهد في ذلك الموقف، وعرف أعقابه ببني الشهيد آخر الدهر، وهم لهذا العهد بتونس.
ولما نهض الناصر إلى إفريقية سنة إحدى وستمائة، لما بلغه من تغلّب ابن غانية على