للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الخبر عما كان بإفريقية من الثوار على صنهاجة عند اضطرابها بفتنة العرب الى انّ محا أثرهم الموحدون)

لما كان أبو رجاء الورد اللخمي عند اضطرام نار الفتنة بالعرب، وتقويض المعز عن القيروان إلى المهديّة، وتغلّبهم عليها قد ضمّ إليه جماعة من الدعّار. وكان ساكنا بقلعة قرسينة [١] من جبل شعيب، فكان يضرب على النواحي بجهة بنزرت ويفرض على أهل القرى الاتاوات بسبب ذلك، فطال عليهم أمره ويئسوا من حسم دائه وكان ببلد بنزرت فريقان أحدهما من لخم وهم من قوم الورد، وبقوا فوضى واختلف أمرهم، فبعثوا إلى الورد في أن يقوم بأمرهم، فوصل إلى بلدهم، فاجتمعوا عليه وأدخلوا حصن بنزرت، وقدّموه على أنفسهم فحاطهم من العرب، ودافع عن نواحيهم. وكان بنو مقدّم من الأثبج ودهمان من بني عليّ إحدى بطون رياح هم المتغلبون على ضاحيتهم فهادنهم على الإتاوة وكفّ بها عاديتهم، واستفحل أمرهم وتسمّى بالأمير، وشيّد المصانع والمباني وكثر عمران بنزرت إلى أن هلك، فقام بأمره ابنه طراد وكان شهما، وكانت العرب تهابه.

وهلك فولي من بعده ابنه محمد بن طراد، وقتله أخوه مقرن لشهر من ولايته في مسامرة، وقام بأمر بنزرت وسمى بالأمير، وحمى حوزته من العرب، واصطنع الرجال، وعظم سلطانه وقصده الشعراء وامتدحوه فوصلهم. وهلك فولي من بعده ابنه عبد العزيز عشر سنين، وجرى فيها على سنن أبيه وجدّه، ثم ولى من بعده أخوه موسى على سننهم أربع سنين. ثم من بعده أخوهما عيسى واقتفى أثرهم. ولما نازل عبد الله بن عبد المؤمن تونس وأفرج عنه مرّ به في طريقه فاستفرغ جهده في قراه وتجمع بطاعته. وطلب منه الحفاظ على بلده فأسعفه. وولّى عليهم أبا الحسن الهرغى، فلمّا قدم عبد المؤمن على إفريقية سنة أربع وخمسين وخمسمائة راعى له ذلك وأقطعه، واندرج في جملة الناس. وكان بقلعة ورغة يدوكس [٢] بن أبي علي الصنهاجي من أولياء العزيز المنصور صاحب بجاية، والقلعة قد شادها [٣] وحصّنها.


[١] وفي النسخة التونسية: قريشة.
[٢] وفي النسخة التونسية: وكان بقلعة زرعة بروكس.
[٣] وفي النسخة التونسية: والقلعة قد ثار بها وحصّنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>