ونهضت عزائمه إلى تدويخ أرض المغرب فخرج من تونس سنة اثنتين وثلاثين وستمائة يؤمّ بلاد زناتة بالمغرب الأوسط. وأغذّ السير إلى بجاية فتلوّم بها. ثم ارتحل إلى الجزائر فافتتحها وولّى عليها. ثم نهض منها إلى بلاد مغراوة فأطاعه بنو منديل بن عبد الرحمن. وجاهر بنو توجين بخلافه، فنزل البطحاء وأوقع بهم. وتقبّض على رئيسهم عبد القوي بن العبّاس فاعتقله، وبعث به إلى تونس ودوّخ المغرب الأوسط وقفل راجعا إلى حضرته. وعقد مرجعه من المغرب لابنه الأمير أبي يحيى زكريا على بجاية وأنزله بها. واستوزر له يحيى بن صالح بن إبراهيم الهنتاتي وجعل شواره لعبد الله بن أبي تهدى، وجبايته لعبد الحق بن ياسين، وكلّهم من هنتاتة. وكتب إليه بوصيّته مشتملة على جوامع الخلال في الدين والملك والسياسة، يجب إثباتها لشرف مغزاها وغرابة معناها ويأتي نصّها فيما بعد.
[(الخبر عن سطوة السلطان بهوارة)]
كان لهوّارة هؤلاء بإفريقية ظهور وعدد منذ عهد الفتح، وكانت دولة العبيديّين قد جرت عليهم بكلكلها لما كان منهم في فتنة أبي يزيد كما نذكره في أخبارهم. وبقي منهم فلّ بجبل أوراس وما بعده من بلاد إفريقية وبسائطها إلى أبّة ومر ماجنّة وسبّيبة وتبرسق. ولما انقرض ملك صنهاجة بالموحّدين وتغلّب الأعراب من هلال وسليم على سائر النواحي بإفريقية، وكثّروا ساكنها، وتغلّبوا عليهم أخذ هذا الفلّ بمذهب العرب وشعارهم وشارتهم في اللبوس والزي والظعون وسائر العوائد. وهجروا لغتهم العجميّة إلى لغتهم، ثم نسوها كأن لم تكن لهم، شأن المغلوب في الاقتداء بغالبه. ثم كان لهم انحياش أول الدولة إلى الطاعة بغلب عبد المؤمن وقومه. فلما استبدّ الأمير أبو زكريا، وانقلبت الدولة إلى بني أبي حفص ظهر منهم التياث في الطاعة، وامتناع عن المغرم، وأضرار بالسابلة، فاعتمل السلطان في أمرهم. وخرج من تونس سنة ست وثلاثين وستمائة موريا بالغزو إلى أهل أوراس، وبعث في احتشادهم فتوافدوا في معسكره. ثم صبحهم في عسكره من الموحّدين والعرب ففتك بهم قتلا وسبيا، واكتسح أموالهم وقتل كبيرهم أبو الطيّب بعرّة بن حنّاش وأفلت من أفلت منهم ناجيا