المنصور أمير المؤمنين إلى من خلف من بني هاشم وشيعة من أهل خراسان وعامة المسلمين. ثم بكى وبكى الناس ثم قال: البكاء أمامكم فأنصتوا رحمكم الله: ثم قرأ: أمّا بعد فإنّي كتبت كتابي هذا وأنا حيّ في آخر يوم من أيام الدنيا أقرأ عليكم السلام، وأسأل الله أن لا يفتنكم بعدي ولا يلبسكم شيعا ولا يذيق بعضكم بأس بعض. ثم أخذ في وصيتهم للمهدي وحثّهم على الوفاء بعهده. ثم تناول الحسن بن زيد وقال: قم فبايع، فبايع موسى بن المهدي لأبيه ثم بايع الناس الأوّل فالأوّل.
ثم دخل بنو هاشم وهو في أكفانه مكشوف الرأس لمكان الإحرام، فحملوه على ثلاثة أميال من مكّة فدفنوه. وكان عيسى بن موسى لما بايع الناس أبى من الشيعة فقال له علي بن عيسى بن ماهان: والله لتبايعنّ وإلّا ضربنا عنقك. ثم بعث موسى بن المهدي والربيع بالخبر والبردة والقضيب وخاتم الخلافة إلى المهدي وخرجوا من مكة. ولما وصل الخبر إلى المهدي منتصف ذي الحجة اجتمع إليه أهل بغداد وبايعوه، وكان أوّل ما فعله المهدي حين بويع أنه أطلق من كان في حبس المنصور إلّا من كان في دم أو مال أو ممن يسعى بالفساد، وكان فيمن أطلق يعقوب بن داود وكان محبوسا مع الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن. فلما أطلق ساء ظن إبراهيم وبعث إلى من يثق به بحفر سرب يفضي إلى محبسه وبلغ ذلك يعقوب بن داود فجاء إلى ابن علاثة القاضي وأوصله إلى أبي عبيد الله الوزير ليوصله إلى المهدي فأوصله واستخلاه فلم يحدّثه حتى قام الوزير والقاضي وأخبره بتحقيق الحال، فأمره بتحويل الحسن، ثم هرب بعد ذلك ولم يظفر به. وشاور يعقوب بن داود في أمره فقال أعطه الأمان وأنا أحضره وأحضره. ثم طلب من المهدي أن يجعل له السبيل في رفع أمور الناس وراء بابه إليه فأذن له وكان يدخل كلما أراد ويرفع إليه النصائح في أمر الثغور وبناء الحصون وتقوية الغزاة وترويح العذاب وفكاك الأسرى والمحبوسين، والقضاء عن الغارمين والصدقة على المتعفّفين فحظي بذلك وتقدّمت منزلته وسقطت منزلة أبي عبد الله، ووصله المهدي بمائة ألف وكتب له التوقيع بالإخاء في الله.
ظهور المقنّع ومهلكه
كان هذا المقنّع من أهل مرو ويسمى حكيما وهاشميّا، وكان يقول بالتناسخ وأنّ الله خلق آدم فتحوّل في صورته ثم في صورة نوح ثم إلى أبي مسلم ثم إلى هاشم وهو