النجاة بدمائهم. واجتمع أهل البلد على السلطان، وتولى كبر ذلك خطيبهم، وجدّدوا له البيعة وارتحل من حينه إلى تلمسان، فدخلها أوائل تسع وثمانين وسبعمائة وهي يومئذ عورة بما كان بنو مرين هدموا من أسوارها وأزالوا حصنها. وبعث فيمن كان مخلفا بأحياء بني عامر من أكابرهم ووجوههم، فقدموا عليه. وطار الخبر إلى أبي تاشفين بمكانه من حصار تيطري، فانكفأ راجعا إلى تلمسان فيمن معه من العساكر والعرب، وبادره قبل أن يستكمل أمره فأحيط به. ونجا إلى مئذنة الجامع فاعتصم بها، ودخل أبو تاشفين القصر، وبعث في طلبه. وأخبر بمكانه فجاء إليه بنفسه واستنزله من المئذنة، وأدركته الرقّة، فجهش بالبكاء وقبّل يده، وغدا به إلى القصر واعتقله ببعض الحجر هنالك، ورغب إليه أبوه في تسريحه إلى المشرق لقضاء فرضه، فشارط بعض تجّار النصارى المتردّدين إلى تلمسان من القيطلان على حمله إلى الإسكندرية، وأركبه السفن معهم بأهله من فرضة وهران ذاهبا لطيبة موكّلا به، وأقبل أبو تاشفين على القيام بدولته، والله تعالى أعلم.
[(نزول السلطان أبي حمو ببجاية من السفين واستيلاؤه على تلمسان ولحاق أبي تاشفين بالمغرب)]
لما ركب السلطان أبو حمّو السفين ذاهبا إلى الإسكندرية، وفارق أعمال تلمسان وحاذى بجاية، داخل صاحب السفينة في أن ينزله ببجاية، فأسعفه بذلك. فخرج من الطارمة التي كان بها معتقلا، وصار الموكّلون به في طاعته. وبعث إلى محمد بن أبي مهدي قائم الأسطول ببجاية المستبدّ على أميرها من ولد السلطان أبي العبّاس بن أبي حفص. وكان محمد خالصة المستنصر بن أبي حمو من ناحية دولتهم. قد خلص إلى بجاية من تيطري بعد ما تنفس لحصار عنهم فبعثه ابن أبي مهدي إلى السلطان أبي حمّو بالإجابة إلى ما سأل. وأنزله ببجاية آخر تسع وثمانين وسبعمائة وأسكنه بستان الملك المسمّى بالرفيع، وطيّر بالخبر إلى السلطان بتونس، فشكر له ما آتاه من ذلك، وأمره بالاستبلاغ في تكريمه، وأن يخرج عساكر بجاية في خدمته إلى حدود عمله متى احتاج إليها. ثم خرج السلطان أبو حمو من بجاية ونزل متيجة واستنفر طوائف العرب من كل ناحية فاجتمعوا إليه ونهض يريد تلمسان واعصوصب