ولما ملك عطية حلب وكان ذلك عند استيلاء السلجوقية على ممالك العراق والشام وافتراقهم على العمالات. ونزل به قوم منهم فاستخدمهم وقوي بهم. ثم خشي أصحابه غائلتهم فأشاروا بقتلهم، فسلط أهل البلد عليهم فقتلوا منهم جماعة ونجا الباقون، فقصدوا محمود بن نصر بحران فاستنهضوه لملك حلب. وجاءهم فحاصرها وملكها في رمضان سنة خمس وخمسين وأربعمائة واستقام أمره. ولحق عطية عمه بالرقة، فملكها إلى أن أخذها منه شرف الدولة مسلم بن قريش سنة ثلاث وستين وأربعمائة، فسار إلى بلد الروم سنة خمس وستين وأربعمائة واستقام أمر محمود ابن نصر في حلب. وبعث الترك الذين جاءوا في خدمته مع أميرهم ابن خان سنة ستين وأربعمائة إلى بعض قلاع الروم فحاصروها وملكها. وسار محمود إلى طرابلس فحاصرها وصالحوه على مال فأفرج عنهم. ثم سار إليه السلطان البارسلان بعد فراغه من حصار ديار بكر وآمد والرها، ولم يظفر بشيء منها كما نذكر في أخبارهم. وجاء إلى حلب وحاصرها وبها محمود بن نصر. وجاءت رسالة الخليفة القائم بالرجوع إلى الدعوة العباسية فأعادها وسأل من الرسول أزهر أبو الفراس طراد الزيني أن يعفيه السلطان من الحصور عنده فأبى السلطان من ذلك، واشتد الحصار على محمود وأضربهم حجارة المجانيق، فخرج ليلا ومعه والدته منيعة بنت وثاب متطارحين على السلطان، فخلع على محمود في حلب آخر ثمان وستين وأربعمائة وعهد لابنه شبيب إلى الترك الذين ملكوا أباه وهم بالحاضر، وقد بلغه عنهم العيث والفساد، فلما دنا من حللهم تلقوه فلم يجبهم، وقاتلهم وأصيب بسهم في تلك الجولة ومات.
[(مهلك نصر بن محمود وولاية أخيه سابق)]
ولما هلك نصر ملك أخوه سابق. قال ابن الأثير: وهو الّذي أوصى له أبوه بالملك، فلم ينفذ عهده لصغره، فلما ولي استدعى أحمد شاه مقدم التركمان الذين قتلوا أباه فخلع عليه، وأحسن إليه وبقي فيها ملكا.