إليه البعض فقط فقد يتعذّر نفاق سلعته حينئذ بإعواز الشّراء من ذلك البعض لعارض من العوارض فتكسد سوقه وتفسد أرباحه. وكذلك إذا نقل السّلعة المحتاج إليها فإنّما ينقل الوسط من صنفها فإنّ العالي من كلّ صنف من السّلع إنّما يختصّ به أهل الثّروة وحاشية الدّولة وهم الأقلّ. وإنّما يكون النّاس أسوة في الحاجة إلى الوسط من كلّ صنف فليتحرّ ذلك جهده ففيه نفاق سلعة [١] أو كسادها وكذلك نقل السّلع من البلد البعيد المسافة أو في شدّة الخطر في الطّرقات يكون أكثر فائدة للتّجّار وأعظم أرباحا وأكفل بحوالة الأسواق لأنّ السّلعة المنقولة حينئذ تكون قليلة معوزة لبعد مكانها أو شدّة الغرر في طريقها فيقلّ حاملوها ويعزّ وجودها وإذا قلّت وعزّت غلت أثمانها. وأمّا إذا كان البلد قريب المسافة والطّريق سابل بالأمن فإنّه حينئذ يكثر ناقلوها فتكثر وترخص أثمانها ولهذا تجد التّجّار الّذين يولعون بالدّخول إلى بلاد السّودان أرفه النّاس وأكثرهم أموالا لبعد طريقهم ومشقّته واعتراض المفازة الصّعبة المخطرة بالخوف والعطش.
لا يوجد فيها الماء إلّا في أماكن معلومة يهتدي إليها أدلّاء الرّكبان فلا يرتكب خطر هذا الطّريق وبعده إلّا الأقلّ من النّاس فتجد سلع بلاد السّودان قليلة لدينا فتختصّ بالغلاء وكذلك سلعنا لديهم. فتعظم بضائع التّجّار من تناقلها ويسرع إليهم الغنى والثّروة من أجل ذلك. وكذلك المسافرون من بلادنا إلى المشرق لبعد الشّقّة أيضا. وأمّا المتردّدون في أفق واحد ما بين أمصاره وبلدانه ففائدتهم قليلة وأرباحهم تافهة لكثرة السّلع وكثرة ناقليها «وَالله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ»
[الفصل الثالث عشر في الاحتكار]
وممّا اشتهر عند ذوي البصر والتّجربة في الأمصار أنّ احتكار الزّرع لتحيّن أوقات الغلاء مشئوم. وأنّه يعود على فائدته بالتّلف والخسران. وسببه والله أعلم