[وصول هدية ملك المغرب الأقصى مع رسله وكريمته صحبة الحاج]
كان ملك بني مرين بالمغرب الأقصى قد استفحل لهذه العصور وصار للسلطان أبي الحسن علي بن السلطان أبي سعيد عثمان بن السلطان أبي يوسف بن يعقوب بن عبد الحق جدّ ملوكهم وأسف إلى ملك جيرانهم من الدول فزحف إلى المغرب الأوسط وهو في ملكة بني عبد الواد أعداء قومه من زنانة وملكهم أبو تاشفين عبد الرحمن بن أبي حمو موسى ابن أبي سعيد عثمان بن السلطان يغمر أسن بن زيان جدّ ملوكهم أيضا وكرسيه تلمسان سبعة وعشرين سهرا ونصب عليها المجانيق وأدار بالأسوار سياجا لمنع وصول الميرة والأقوات إليها وتقرى أعمالها بلدا بلدا فملك جميعها ثم افتتحها عنوة آخر رمضان سنة سبع وثلاثين ففض جموعها وقتل سلطانها عند باب قصره كما نذكره في أخبارهم ثم كتب للملك الناصر صاحب مصر يخبره بفتحها وزوال العائق عن وفادة الحاج وأنه ناظر في ذلك بما يسهل سبيلهم ويزيل عللهم وكانت كريمة من كرائم أبيه السلطان أبي سعيد ومن أهل فراشه قد اقتضت منه الوعد بالحج عند ما ملك تلمسان فلما فتحها وأذهب عدوّه منها جهز تلك المرأة للحج بما يناسب قرابتها منه وجهز معها للملك الناصر صاحب مصر هدية فخمة مشتملة على خمسمائة من الجياد المغربيات بعدتها وعدّة فرسانها من السروج واللجم والسيوف وظرف المغرب وما عونه من شتى أصنافه ومن ثياب الحرير والصوف والكتان وصنائع الجلد حتى ليزعموا أنه كان فيها من أواني الخزف وأصناف الدرّ والياقوت وما يشبههما في سبيل التودّد وعرض أحوال المغرب على سلطان المشرق ولعظم قدر هذه الوافدة عند الناصر أوفد معها من عظماء قومه ووزرائه وأهل مجلسه فوفدوا على الناصر سنة ثمان وثلاثين وأحلهم بأشرف محل من التكرمة وبعث من إصطبلاته ثلاثين خطلا من البغال يحملون الهدية من بحر النيل سوى ما تبعها من البخاتي والجمال وجلس لهم في يوم مشهود ودخلوا عليه وعرضوا الهدية فعمّ بها أهل دولته إحسانا في ذلك المجلس واستأثر منها على ما زعموا بالدرّ والياقوت فقط ثم فرّقهم في منازله وأنزلهم دار كرامته وقد هيئت بالفرش والماعون ووفر لهم الجرايات واستكثر لهم من الأزودة وبعث أمراء في خدمتهم إلى الحجاز حتى قضوا فرضهم في تلك السنة وانقلبوا إلى سلطانهم فجهز الناصر معهم هدية إلى ملك المغرب تشتمل على ثياب الحرير المصنوعة بالإسكندرية وعين منها الجمل المتعارف في كل سنة الخزانة السلطان وقيمته لذلك