للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الفرجة في صفر من سنة ثلاث وسبعين وستمائة فقتلوا المقاتلة والحامية وسبوا الذرية [١] ، وقتل القائدان عبد الملك بن حنينة ويغمراسن بن حمامة، ومن كان معهم من بني عبد الواد وأمراء المنبات، وكمل فتح بلاد المغرب للسلطان أبي يوسف، وتمشّت طاعته في أقطاره. فلم يبق فيه معقل يدين بغير دعوته، ولا جماعة تتحيّز إلى غير فيئته ولا أمل ينصرف إلى سواه، ولما كملت له نعم الله في استيساق ملكه وتمهيد أمره، انصرف أمله إلى الغزو وإيثار طاعة الله بجهاد أعدائه، واستنقاذ المستضعفين من وراء البحر من عباده على ما نذكره إن شاء الله تعالى. ولما انكفأ راجعا من سجلماسة، قصد مراكش من حيث جاء، ثم وقف إلى سلا فأراح بها أياما ونظر في شئونها، وسدّ ثغورها. وبلغه الخبر بوفادة أبي طالب صاحب سبتة الفقيه أبي القاسم العزفي على فاس، فأغذّ السير إلى حضرته، وأكرم وفادته وأحسن منقلبه إلى أبيه مملوء الحقائب ببرّه، رطب اللسان بشكره. ثم شرع في إجازة ولده كما نذكره الآن إن شاء الله تعالى.

[الخبر عن شأن الجهاد وظهور السلطان أبي يوسف على النصارى وقتل زعيمهم ذننه وما قارن ذلك]

كانت عدوة الأندلس منذ أوّل الفتح ثغرا للمسلمين، فيه جهادهم ورباطهم ومدارج شهادتهم وسبيل سعادتهم. وكانت مواطنهم فيه على مثل الرضف، وبين الظفر والناب من اسود الكفر لتوقر أممهم جوارها [٢] وإحاطتهم بها من جميع جهاتها، وحجز البحر بينهم وبين إخوانهم المسلمين وقد كان عمر بن عبد العزيز رأى أن يخرج المسلمين منها لانقطاعهم عن قومهم وأهل دينهم، وبعدهم عن الصريخ.

وشاور في ذلك كبار التابعين وأشراف العرب فرأوه رأيا. واعتزم عليه لولا ما عاقه من المنية وعلى ذلك، فكان للإسلام فيه اعتزاز على من جاورهم من أهل الكفر، بطول دولة العرب من قريش ومضر واليمن. وكانت نهاية عزّهم وسورة غلبهم أيام بني أمية


[١] وفي نسخة ثانية: سبوا الرعية.
[٢] وفي نسخة ثانية: لتوفر أمتهم في جوارها.

<<  <  ج: ص:  >  >>