تقبّض على أهل البيت الحفصي، فاعتقلهم بعد أن همّ بقتلهم. وخرج من تونس في عساكر من الموحّدين وطبقاتهم الجند في صفر اثنتين وثمانين وستمائة فانتهى إلى مر ماجنّة، وتراءى الجمعان ثالث ربيع الأوّل فاقتتلوا عامّة يومهم. ثم اختلّ مصاف الأمير أبي فارس، وتخاذل أنصاره فقتل في المعركة، وانتهب معسكره وقتل إخوته صبرا: عبد الواحد قتله الدعي بيده، وعمر وخالد وأبو محمد بن عبد الواحد وبعث برءوسهم إلى تونس فطيف بها على الرماح ونصبت بأسوار البلد. وتخلّص عمه الأمير أبو حفص من الواقعة إلى أن كان من أمره ما نذكر.
وبلغ خبر الواقعة إلى بجاية فاضطرب أهلها وماج بعضهم في بعض، وخرج السلطان أبو إسحاق وابنه الأمير أبو زكريا إلى تلمسان، فقدّم أهل بجاية عليهم محمد بن السيد قائما فيهم بطاعة الدعيّ، وخرج في أتباع السلطان فأدركه بجبل بني غبرين من زواوة، فتقبّض عليه، ونجا الأمير أبو زكريا إلى تلمسان، وبقي السلطان أبو إسحاق ببجاية معتقلا ريثما بلغ الخبر إلى تونس، وأرسل الدعيّ محمد بن عيسى بن داود فقتله آخر ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين وستمائة وانقضى أمره وللَّه عاقبة الأمور، لا ربّ غيره ولا معبود سواه.
[(الخبر عن ظهور الأمير أبي حفص وبيعته وما كان على أثر ذلك من الأحداث)]
قد ذكرنا أنّ الأمير أبا حفص حضر واقعة بني أخيه مع الدعيّ بمرماجنّة، فخلص من المعركة راجلا، ونجا إلى قلعة سنان معقل هوّارة القريب من مكان الملحمة، ولاذ به في ذهابه إلى منجاته ثلاثة من صنائعهم: أبو الحسين بن أبي بكر بن سيّد الناس، ومحمد بن القاسم بن إدريس الفازازي، ومحمد بن أبي بكر بن خلدون، وهو جدّ المؤلف الأقرب. وربما كانوا يتناقلونه على ظهورهم إذا أصابه الكلال. ولما نجا إلى قلعة سنان تحدّث به الناس وشاع خبر منجاته إليها. وكان الدعيّ قد أشف العرب وثقلت وطأته عليهم بما كان يسيء الملكة فيهم، فليوم دخوله شكا إليه الناس