للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(دولة المعز بن باديس)]

ولما بلغ الخبر بمهلك باديس بويع ابنه المعزّ ابن ثمان سنين، ووصل العسكر فبايعوه البيعة العامّة. ودخل حمّاد المسيلة وأشير، واستعدّ للحرب وحاصر باعانة [١] ، وبلغ الخبر بذلك فزحف المعز إليه وأفرج عن باعانة، ولقيه فانهزم حمّاد وأسلم معسكره، وتقبّض على أخيه إبراهيم ونجا إلى القلعة، ورغب في الصلح فاستجيب على أن يبعث ولده. وانتهى المعزّ إلى سطيف وقصر الطين وقفل إلى حضرته، ووصل إليه القائد بن حمّاد بعمل المسيلة وطبنة والزاب وأشير وتاهرت، وما يفتح من بلاد المغرب، وعقد للقائد ابن حمّاد على طبنة والمسيلة مقره ومرسى الدجاج وسوق حمزة وزواوة وانقلب بهدية ضخمة. ورفعت الحرب أوزارها من يومئذ، واقتسموا المظلّة والتحموا بالأصهار، وافترق ملك صنهاجة إلى دولتين: دولة إلى المنصور بن بلكّين أصحاب القيروان، ودولة إلى حمّاد بن بلكين أصحاب القلعة.

ونهض المعز إلى حمّاد سنة اثنتين وثلاثين فحاصره بالقلعة مدّة سنين، ثم أقلع عنها وانكفأ راجعا ولم يعاود فتنة بعد. ووصل زاوي بن زيري من الأندلس سنة عشر وأربعمائة كما ذكرناه في خبره، فتلقّاه المعزّ أعظم لقاء وسلّم عليه راجلا وفرشت القصور لنزله، ووصله بأعظم الصلات وأرفعها، واستمرّ ملك المعزّ بإفريقية والقيروان، وكان أضخم ملك عرف للبربر بإفريقية وأترفه وأبذخه. نقل ابن الرقيق من أحوالهم في الولائم والهدايا والجنائز والأعطيات ما يشهد بذلك، مثل ما ذكر أنّ هديّة صندل عامل باعانة مائة حمل من المال، وأنّ بعض توابيت الكبراء منهم كان العود الهندي بمسامير الذهب وأنّ باديس أعطى فلفول بن مسعود الزناتي ثلاثين حملا من المال وثمانين تختا. وانّ أعشار بعض أعمال الساحل بناحية صفاقس كان خمسين [٢] ألف قفيز وغير ذلك من أخبارهم.

وكانت بينه وبين زناتة حروب ووقائع كان له الغلب في جميعها كما هو مذكور، وكان


[١] وفي نسخة أخرى: باغاية.
[٢] وفي نسخة أخرى: ثمانين. وكذا في النسخة التونسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>