المعز منحرفا عن مذاهب الرافضة، ومنتحلا للسنّة، فأعلن بمذهبه لأوّل ولايته ولعن الرافضة. ثم صار إلى قتل من وجد منهم، وكبا به فرسه ذات يوم فنادى مستغيثا باسم أبي بكر وعمر، فسمعته العامّة فثاروا لحينهم بالشيعة وقتلوهم أبرح قتل وقتل دعاة الرافضة يومئذ وامتعض لذلك خلفاء الشيعة بالقاهرة. وخاطبه وزيرهم أبو القاسم الجرجاني محذرا، وهو يراجعه بالتعريض لخلفائه والمزج فيهم حتى أظلم الجوّ بينه وبينهم إلى أن انقطع الدعاء لهم سنة أربعين وأربعمائة على عهد المستنصر من خلفائهم. وأحرق بنوده ومحا اسمه من الطرز والسكّة، ودعا للقائم بن القادر من خلفائهم. وأحرق بنوده ومحا اسمه من الطرز والسكّة، ودعا للقائم بن القادر من خلفاء بغداد. وجاءه خطاب القائم وكتاب عهده صحبة داعيته أبي الفضل بن عبد الواحد التميمي، فرماه المستنصر خليفة العبيديّين بالمغرب من هلال الذين كانوا مع القرامطة، وهم رياح وزغبه والأثبج، وذلك بمشاركة من وزيره أبي محمد الحسن بن علي البازوري كما ذكرنا في أخبار العرب ودخولهم إلى إفريقية.
وتقدّموا إلى البلاد وأفسدوا السابلة والقرى وسرّح إليهم المعز جيوشه فهزموهم، فنهض إليهم ولقيهم بجبل حيدران فهزموه، واعتصم بالقيروان فحاصروه وتمرّسوا به وطال عيثهم في البلاد وإضرارهم بالرعايا إلى أن خربت إفريقية. وخرج ابن المعز من القيروان سنة تسع وأربعين وأربعمائة مع خفيره منهم، وهو مؤنس بن يحيى الصبري أمير رياح، فلحق في خفارته بالمهديّة بعد أن أصهر إليه في ابنته فأنكحه إياها ونزل بالمهديّة وقد كان قدم إليها ابنه تميما فنزل عليه، ودخل العرب القيروان وانتهبوها.
وأقام المعز بالمهديّة وانتزى الثّوار في البلاد فغلب حمد بن مليل البرغواطي على مدينة صفاقس وملكها سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وخالفت سوسة وصار أهلها إلى الشورى في أمرهم وصارت تونس آخرا إلى ولاية الناصر بن علناس بن حمّاد صاحب القلعة. وولّى عليهم عبد الحق بن خراسان فاستبدّ بها واستقرّت في ملكه وملك بنيه، وتغلّب موسى بن يحيى على قابس وصار عاملها المعز بن محمد الصنهاجي إلى ولايته، وأخوه إبراهيم من بعده كما يأتي ذكره. والثالث ملك آل باديس وانقسم في الثوار كما نذكر في أخبارهم بعد مهلك المعز سنة أربع وخمسين وأربعمائة والله أعلم