أشدّ الناس سعاية في نظام الملك وعزم السلطان أن يستوزره لأوّل دخوله بغداد فعاقت المنيّة عن ذلك وطرقه المرض ثالث الفطر وهلك منتصف شوّال سنة خمس وثمانين وكانت زوجته تركمان خاتون الجلالية عنده في بغداد وابنها محمود غائبا في أصبهان فكتمت موته وسارت بشلوه الى أصبهان وتاج الملك في خدمتها وقدّمت بين يديها قوام الدين كربوقا الّذي ولى الموصل من بعد وأرسلته بخاتم السلطان الى مستحفظ القلعة فملكها وجاءت على أثره وقد أفاضت الأموال في الأمراء والعساكر ودعتهم الى بيعة ولدها محمود وهو ابن أربع سنين فأجابوا الى ذلك وبايعوه وأرسلت الى المقتدر في الخطبة له فأجابها على أن يكون الأمير أنز قائما بتدبير الملك ومجد الملك مشيرا وله النظر في الأعمال والجباية فنكرت ذلك أمّه خاتون وكان السفير أبا حامد الغزالي فقال لها أنّ الشرع لا يجيز ولاية ابنك فقبلت الشرط وخطب له آخر شوّال سنة خمس وثلاثين وأرسلت تركمان خاتون الى أصبهان في القبض على بركيارق فحبس بأصبهان وكان السلطان ملك شاه من أعظم ملوك السلجوقية ملك من الصين الى الشام ومن أقصى الشام الى اليمن وحمل اليه ملوك الروم الجزية ومناقبه عظيمة مشهورة.
[منازعة بركيارق لأخيه محمود وانتظام سلطانه]
كان بركيارق أكبر أولاد السلطان ملك شاه وكانت أمّه زبيدة بنت ياقوتي بن داود وياقوتي عمّ ملك شاه ولما حبس بركيارق وخافت عليه أمّه زبيدة دست لمماليك نظام الملك فتعصبوا له وكانت خاتون غائبة ببغداد مع ابنها محمود لفقد سلطانه فوثب المماليك النظامية على سلاح لنظام الملك بأصبهان وأخرجوا بركيارق من محبسه وخطبوا له وبلغ الخبر الى خاتون فسارت من بغداد وطلب العسكر تاج الملك في عطائهم فهرب الى قلعة بوجين لينزل منها الأموال وامتنع فيها ونهب العسكر خزائنه وساروا الى أصبهان وقد سار بركيارق والنظامية الى الري فأطاعه أرغش النظامي في عساكره وفتحوا قلعة طغر عنوة وبعثت خاتون العساكر لقتال بركيارق فنزع اليه سبكرد وكمستكن الجاندار وغيرهما من أمراء عساكره ولقيهم بركيارق فهزمهم وسار في أثرهم الى أصفهان فحاصرهم بها وكان عز الملك بن نظام الملك بأصبهان وكان واليا على خوارزم فحضر عند السلطان قبل مقتل أبيه وبقي هناك بعد وفاة السلطان فخرج الى بركيارق ومعه جماعة من إخوانه فاستوزره بركيارق وفوّض اليه الأمور كما كان أبوه.