الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال
قد ذكرنا عند ذكر إبراهيم وبنيه صلوات الله وسلامه عليهم ما كان من شأن يعقوب بن إسحاق واستقراره بمصر مع بنيه الأسباط، وفي التوراة أنّ الله سماه إسرائيل. وإيل عندهم كلمة مرادفة لعبد وما قبلها من أسماء الله عز وجل وصفاته والمضاف أبدا متأخر في لسان المعجم، فلذلك كان إيل هو آخر الكلمة وهو المضاف. ثم قبض الله نبيّه يعقوب بمصر لمائة وسبع وثمانين سنة من عمره، وأوصى أن يدفن عند أبيه، فطلب يوسف من فرعون أن يطلقه لذلك، فأذن له. وأمر أهل دولته بالانطلاق معه، فانطلقوا وحملوه إلى فلسطين فدفنوه بمقبرة آبائه، وهي التي اشتراها إبراهيم من الكنعانيين. ورجع يوسف إلى مصر وأقام بها إلى أن توفي لمائة وعشرين سنة من عمره، ودفن بمصر وأوصى أن يحملوا شلوه معهم إذا خرجوا إلى أرض الميعاد، وهي الأرض المقدّسة.
وأقام الأسباط بمصر وتناسلوا وكثروا حتى ارتاب القبط بكثرتهم واستعبدوهم، وفي التوراة أنّ ملكا من الفراعنة جاء بعد يوسف لم يعرف شأنه ولا مقامه في دولة آبائه، فاسترقّ بني إسرائيل واستعبدهم. ثم تحدّث الكهّان من أهل دولتهم بأنّ نبوة تظهر في بني إسرائيل، وأنّ ملكك كائن لهم مع ما كان معلوما من بشارة آبائهم لهم بالملك، فعمد الفراعنة إلى قطع نسلهم بذبح الذكور من ذريتهم. فلم يزالوا على ذلك مدّة من الزمان حتى ولد موسى. وهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب.
وأمّه يوحانذ بنت لاوى عمة عمران وكان قاهث بن لاوى من القادمين إلى مصر مع يعقوب عليه السلام وولد عمران بمصر وولد هارون لثلاث وسبعين من عمره، وموسى لثمانين، فجعلته أمّه في تابوت وألقته في ضحضاح [١] اليمّ، وأرصدت أخته على بعد لتنظر من يلتقطه فتعرفه. فجاءت ابنة فرعون الى البحر مع جواريها فرأته
[١] في التوراة: أخذت له سفطا من البردي، وطلته بالحمر والزفت، ووضعت الولد فيه ووضعته بين الحلفاء، ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يفعل به.