ويرسلونه كيف شاءوا، والجنات حفاف النيل من أعلاه إلى أسفله ما بين أسوان ورشيد، وكانت مدينة منف وعين شمس، يجري الماء تحت منازلها وأفنيتها بتقدير معلوم، ذكر ذلك كله عبد الرحمن بن شماسة، وهو من خيار التابعين، يرويه عن أشياخ مصر قالوا: ومدينة عين شمس كانت هيكل الشمس، وكان فيها من الأبنية والأعمدة والملاعب ما ليس في بلد. قلت: وفي مكانها لهذا العهد ضيعة متصلة بالقاهرة يسكنها نصارى من القبط وتسمى المطريّة. قالوا: ومدينة منف مدينة الملوك قبل الفراعنة وبعدهم إلى أن خرّبها بخت نصّر كما تقدّم في دولة قومس بن نقاس، وكان فرعون ينزل مدينة منف، وكان لها سبعون بابا وبنى حيطانها بالحديد والصفر [١] ، وكانت أربعة أنهار تجري تحت سريره ذكره أبو القاسم بن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك قال: وكان طولها اثني عشر ميلا، وكانت جباية مصر تسعين ألف ألف دينار مكرّرة مرتين بالدينار الفرعونيّ وهو ثلاثة مثاقيل. وانما سميت مصر بمصر بن بيصر بن حام، ويقال انه كان مع نوح في السفينة فدعا له فأسكنه الله هذه الأرض الطيبة، وجعل البركة في ولده. وحدّها طولا من برقة إلى أيلة، وعرضا من أسوان إلى رشيد. وكان أهلها صابئة، ثم حملهم الروم لما ملكوها بعد قسطنطين على النصرانية، عند ما حملوا على الأمم المجاورة لهم من الجلالقة والصقالبة وبرجان والروس والقبط والحبشة والنوبة، فدانوا كلهم بذلك ورجعوا عن دين الصابئة في تعظيم الهياكل وعبادة الأوثان، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.